المقالات

اعصار الطلاق

3377 2018-07-12

خالد غانم الطائي

ان الزواج مؤسسة مقدسة تجمع بين الرجل والمرأة تحت سقف الزوجية الذي جعله الله سبحانه وتعالى من آياته اذ قال تبارك اسمه (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الروم الآية 21.

فقد جعل البارئ السكن الروحي والاطمئنان وكذلك المودة والرحمة بين الزوجين وتحقيق ديمومة المجتمع من خلال التناسل وحفظ النوع الانساني وأيضا هنالك حاجات نفسية تتحقق من خلال الزواج منها عاطفية (فقد) تنشأ علاقة الحب بين الزوجين واتخاذ المرء لشريك يشاركه في حلو الأيام ومرها ويكون له انساً وملاذاً ومؤازراً له في شؤون حياته وكذلك فإن هناك حاجات بدنية يكون الزواج سبيلاً لتحصين الفرج وعدم الوقوع في حبائل الشيطان اللعين بالإضافة إلى أن انجاب الأولاد يعطي احساساً للمرء بامتداد الذات إلا ان المؤسف تعرض مؤسسة الزواج إلى اعصار الطلاق الذي يدمر اركانها ويهدم مبناها ويشتت افرادها كل في ناحية وصوب ومن المعلوم ان الأسرة هي اللبنة الاساسية التي ينطلق منها تكوين المجتمع فبمجموع الأسر يوجد ويتكون وينشأ المجتمع فكلما ازدادت قوة وصلابة وتماسك الأسرة انعكس أثر ذلك بالإيجاب على المجتمع والعكس بالعكس، 
اذن فالطلاق اصبح ظاهرة سلبية لما نقرأ ونسمع من احصائيات تشير إلى ارتفاع معدلاته وشيوعها وانتشارها وصعود معدلاتها في سلم الأرقام وتحول إلى معول هدم فعال يضرب في المجتمع ويخلف آثار الركام المتناثر وإذا كان الزوج والزوجة قد رزقهما الله أولاداً فأن ذلك مما يزيد الطين بلة، فبعد الطلاق سيعاني الأولاد من اضطراب في الشخصية وضعفها وعدم شعورهم بالأمان لأنهم سيبتعدون إما عن أبيهم أو عن امهم والحال انهم محتاجون لكليهما فالأم تمنحهم العطف والحنان كونها منبع ذلك أما الأب فتقع عليه الحصة الأعظم من التربية الصالحة وتعليمهم الكثير من الأمور التي يحتاجونها في حياتهم وتوفير احتياجاتهم المادية من مأكل وملبس و... و... فهو الأقدر على ذلك بحكم تجاربه (وقوته البدنية) فقد ورد عن الرسول الأقدس (صلى الله عليه واله) قوله (علموا اولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل) وأيضاً فأن من جملة الأمور التي يتعين على الاب تعليمها لأولاده هي المهنة التي يتكسبون بها...

وللطلاق اسباب كثيرة ومبررات متعددة وقد تطول القائمة بتعداد ذلك ولكن لابد من وضع قائمة حلول ومعالجات تقابل تلك القائمة لتفادي اخطار اعصار الطلاق... فبعد ان يُطلق الرجل زوجته سرعان ما يبحث عن زوجة ثانية لتكون بديلاً عن الأولى فنحن لابد ان نقر ولا نغض الطرف عن كون مجتمعنا (الشرقي عموماً) ذكورياً فهو منحاز للرجل غالباً إلا ما شذَ وندر وقلَ ,ولدينا مبدأ اجتماعي يقول للرجل الذي يبحث عن زوجة (تزوج من مطلقة البين (الموت) اي الأرملة ولا تتزوج من مطلقة الرجل) علماً ان للرجل الحرية الكاملة بالاختيار في الزواج (من امرأة بكر أو ثيَب) اما المرأة المطلقة فأنها وبعد اكمال عدتها الشرعية تكون فرصتها ضعيفة أو معدومة أحياناً بالزواج من رجل آخر خصوصاً إذا كانت قد انجبت اولاداً فالمجتمع ينظر إليها نظرةً دونيةً أو غير لائقة (مع بالغ الاحترام للأخوات المطلقات) أو ان المرأة المطلقة مسئولة كل المسئولية عن الطلاق والحال أن أحوال الناس متباينة وشخصياتهم مختلفة وطريقة تفكيرهم وتصرفهم وتعاملهم ليست على نحو واحد وكذلك مدى التزامهم الديني أو الاجتماعي (ومنه الالتزام العشائري) بالدرجة نفسها أو قد يكون ضعيفا هذا اذا لم يكن معدوماً احياناً، فالمرأة المطلقة تكون احياناً فريسة او ضحية من قبل زوجها أو غيره (من اهلها أو أهل الزوج) لجملة من المسائل والقضايا وفيما يلي مروراً ببعضها:

1ـ ان يكون الزوج عدوانياً يقوم بالاعتداء على زوجته بالضرب المبرح وغالباً ما يترك اثراً في بدنها (كضربها بعصا غليظة أو بقطعة من كيبل الكهرباء أو حرق يدها بالمكوى أو ضرب رأسها بمزهرية والتسبب بفطر في الجمجمة وامثال ذلك) كلما تكلمت أو طلبت منه شيئاً أو ابدت أي انزعاج من تصرفاته وبالتالي تفقد المرأة الزوجة قابليتها على التحمل وتفقد صبرها مع عدم رجوع الزوج عن تماديه في الضرب ويكون مصيرها الطلاق.

2ـ اعتماد طريقة (الكصةبكصة) وتسمى في الفقه (نكاح الشغار) في الزواج من دون وجود توافق أو ميل عاطفي بين الزوجين ويكون بعنوان الخضوع لرغبة أهل الزوج والزوجة فكل منهما يعيش في عالم بعيد عن الآخر وتتحول حياتهم إلى جحيم مستعر وقد يستعمل الرجل سطوته على زوجته فيمارس معها شتى انواع العنف البدني والمعنوي (بالكلام الجارح والبذيء والسباب وغيره) وفي نهاية المطاف يكون الطلاق هو مصيرهم وبالتالي يضغط على الزيجة الأخرى التي تقابلها (كصةبكصة) أخت الزوج متزوجة من شقيق زوجته لكون الأمر واحد والمكيال والحكم واحد بنظر الأهل من الجانبين حتى وان كانت الزيجة الأخرى متوافقة وموفقة وقد تكون النهاية لكلا الزواجين هي الطلاق وهو ما يحصل في غالب الحالات هذا وقد ورد في الحديث النبوي (على مُشرَفه وآله الصلاة والسلام) (أبغض الحلال إلى الله الطلاق).
3ـ ومن أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق هو ادمان الزوج على الخمر والمسكرات مما يؤثر سلباً على عمله ووضعه وبالتالي التقصير في النفقة على زوجته وعياله وقد يخلق جواً مشحوناً ومتوتراً تكثر فيه الانفعالات والتشنجات يضاف إلى ذلك استعمال العنف البدني ضد الزوجة والأولاد
4ـ التعارف السريع الذي يحصل بين عائلة الزوج وعائلة الزوجة والذي لا يتيح الفرصة الكافية لدراسة ومعرفة شخصية الرجل أو المرأة بشكل كاف وواف مما يؤدي إلى انعدام حصول حالة التوافق والانسجام والتفاهم في الحياة الزوجية ووقوع الطلاق.
5ـ بعد اشتعال حرب العولمة المستمر والقائم على قدم وساق وشيوع المسلسلات المدبلجة والتي تدور احداثها غالباً حول اقامة علاقات غير مشروعة خارج الإطار الأسري وخارج مؤسسة الزواج وتؤدي الخيانة الزوجية في نهاية الأمر إلى استحالة استمرار العلاقة الزوجية وبحكم التأثر بهكذا مسلسلات وبحكم ضعف الوازع الديني وضعف شخصية المتلقي (سواء أكان الرجل أم المرأة) مما يجر عليه ان يكون مقلداً لما يراه ويتابعه وبالتالي فأن ذلك يؤدي إلى خراب مؤسسة الزواج وتحويلها إلى ركام متناثر لذل فأن من أخطر الويلات على المجتمع العراقي والمجتمع المسلم اجمالاً هو خطر الغزو الثقافي والذي يفوق خطر الغزو العسكري لأنه يهدف إلى السيطرة على العقول.
6ـ تدخل أهل الزوج وأهل الزوجة بشئون الاسرة تدخلاً سافراً خاضعاً لرغباتهم وبحكم الاختلاف والتناحر في الرغبات والأهواء فأن ذلك سُيلقي بظلاله على الحياة الزوجية للزوجين ويعكر صفو العلاقة بينهما ويخلق جواً مشحوناً ومتوتراً بعد ان كان جواً هادئاً مفعماً بالتفاهم والتوافق.

7ـ اختلاط الزوج برفقاء السوء واكتسابه لصفاتهم الذميمة كشرب الخمر وتنصله واخفاقه عن تأدي واجباته الاسرية وكذلك اختلاط الزوجة بنساء يُسببن لها التلوث الفكري والأفكار السوداوية بزعم انها مسجونة في البيت مثلاً أو مضطهدة وان زوجها لا يوفر لها المستوى المعاشي اللائق بها وانها تستحق ان تعيش في مستوى عال لائق بحالها هذا مع ضيق الإمكانية المادية لزوجها أو محدوديتها وبالتالي عدم قناعة الزوجة بحالها وبزوجها وعدم قناعة الزوج بزوجته فتنشأ أخيراً المعارك الكلامية بينهما والتي قد تقود في ختام الأمر إلى الطلاق وسلوك كل منهما لطريق بعيداً عن الآخر علاوةً على تيه الاولاد بينهما وافتقارهما لاحداهما. ومن هذه الأسباب وغيرها ستجد المرأة (الزوجة) نفسها تحت عنوان (المطلقة) ومن الأنصاف عدم القاء اللوم والعتاب والمسئولية على عاتق وكاهل المرأة دوماً وان فشلت هذه العلاقة فلماذا يُغلق الطريق لإعطائها فرصة الزواج مرة اخرى (هذا في غالب حالات الطلاق) خصوصاً وان احصائية التعداد العام للسكان في العراق تشير إلى ازدياد عدد النساء على الرجال بشكل كبير واحد اسباب ذلك افرازات الحروب باعتبار ان الرجال وقود للحرب.
اذن فلتكن النظرة موضوعية وواقعية تتمتع بالحيادية والأنصاف والاعتدال وعدم تحمل المرأة المطلقة كامل المسئولية أو الحكم عليها بأنها المقصرة أو المتسببة بالوصول إلى حالة الطلاق المؤسفة دوماً والتي بازدياد اعدادها تُنذر بأن هنالك خطراً كبيراً محدقاً ومُتربصاً بالمجتمع ومثلما نحن عبقريون بإيجاد الأعذار والأسباب والمسببات والذرائع لابد ان نكون أكثر عبقرية للقضاء أو الحد من هذه الآفة المجتمعية الخطيرة بوضع الحلول والمعالجات والوسائل التي من شأنها تعزيز أواصر العلاقة الزوجية وتدعيم وتثبيت اركانها من خلال نشر الوعي الديني خصوصاً والوعي الثقافي عموماً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك