قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
إستيقضت الطفلة الكربلائية "فرح" صباحا، وبعد أن غسلت وجهها؛ بماء الحائر الحسني، لتجد أن مستقبلها بات مهددا، بسبب اختطاف والدها.
بكت كثيرا لا سيما أنها أكبر أخوتها، وما إن حل عصر ذلك اليوم المشؤوم، حتى أصبحت حديث العراقيين جميعا، من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق الى الغرب.
صورها وصور أشقائها وشقيقاتها، تم تداولها بسرعة خيالية، بحيث وصل مستخدمي هاشتاك؛ #انقذوا_بابا الى أكثر من مليون مستخدم..
ظاهريا؛ كان هناك تعاطف كبير مع قضيتها، لكن الواقع يكشف، أنه قد تم إنتهاك كل حقوقها، فالكاميرات تطاردها على مدار الساعة، ولثماني وأربعين ساعة؛ لم تنم هذه الطفلة الرقيقة كالنسمة، وصودرت مشاعرها من قبل مجتمع الفيسبوك، فقد تحول وجهها الملائكي الجيل الباذخ بالنقاء، الى مائدة لذباب الفيسبوك اللعين..
في اليوم التالي صارت فرح يتيمة، لكن القصة لم تنته!
فقد بدأت أسراب الذباب تحوم حولها مجددا، آلاف المنشورات لأنها صارت يتيمة، وشرع هذا الذباب الموجه بإستثمار دم أبيها، ودم الذين قتلوا صبرا معه..وأذا تذكرنا أن المختطفين الستة صاروا ثمانية، وأنهم لم يكونوا أول ضحايا الإرهاب البعثي الداعشي، ولن يكونوا الأخيرين، سندرك أن مصارع الشهداء ويتم ذرياتهم، بضاعة في سوق النخاسة السياسة وإعلامها القذر، الذي يسقى زرعه بدماء المغدورين وأيتامهم دوما.
لقد أستعرض الذباب الفيسبوكي وجه "فرح"، مرة بغطاء رأس محكم؛ ينم عن إحتشام فطري أصيل، ومرة بعباءة كربلائية ملفوفة على طهر صادق..ويعلق أحدهم على صورتها؛ يتيمة وأنيقة!
أستثمر الفيسبوكيين قصة فرح، ليحصدوا آلاف الـ"لايكات"..الـ"لايكات" غذاء فيسبوكي لذيذ لذبابه، لأن الفيسبوك لايعيش بدون هذا الغذاء.
تسابق عشرات "الناشطين المدنيين"، من"أبطال" منظمات المجتمع المدني، لالتقاط صور شخصية مع دموع الطفلة "فرح"، وكان القصد من ذلك، هو الحصول على التفاعل المغري بصفحاتهم.
آخرين وجدوها فرصة لا تتكرر أبدا، لإستعراض بطولاتهم، متحدثين عن تقديم انفسهم كرهائن، بدل والدها وصاروا ابطالا بنظر متابعيهم.
عدد كبير من مراسلي الفضائيات والإعلاميين، حصلوا على قصة خبرية جاهزة، باعوها بأثمان دسمة،لوكالات الأنباء والفضائيات، فيما بعض أجهزة الإعلام الأخرى وجدتها مادة إعلامية جاهزة، لتملأ بها فراغات التقارير.
عشرات البيانات من القوى والأحزاب السياسية، تدين وتشجب وتستنكر، وها هي تستثمر في حفلات تصفية الحسابات السياسية بعلانية فجة، تعيد الى الأذهان المعارك الأنتخابية!
في قادم الأيام ستصبح الطفلة"فرح"؛ بطلة المهرجانات الخيرية، وسوف تتنافس مؤسسات الأيتام على إصطحابها، الى حفلات الإستجداء وجمع الأموال، التي ستعود منها "فرح" الى بيتها، بنسخة بلاستيكية ذميمة لدمية"باربي"!
ستكون فرح أيضا مادة اعلامية محبوكة جيدا، يستخدمها السياسيين في الظهور الإعلامي، وتسويق أنفسهم من خلالها، على أنهم رعاة لقضايا الشعب وحقوقه، إبتداءا من بادوش والصقلاوية، مرورا بسبايكر وآمرلي، وأنتهاءا بـ"فرح".
أمس أضيفت "فرح" وأشقائها وشقيقلتها؛ الى رقم الملايين الخمسة من الأيتام العراقيين، وستزداد مخصصات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، باعتبارها سجلت أيتاما جددا، لكن أم "فرح" سترى نجوم السماء في عز الظهيرة، وستعيش الذل والهوان، وستبذل ماء وجهها، الى أن تحصل على إستحقاق المعونة الأجتماعية الزهيد!
كلام قبل السلام: الطفلة "فرح" ضحية دولة فاشلة، يقودها فاشلون بضمائر خرساء.."فرح" ستعيش بقية عمرها يتيمة، لكنها ستكون مختلفة عن بقية الأيتام، لأنها # يتيمة _مشهورة..!
سلام..
https://telegram.me/buratha