حيدر السراي
--الصنمية ببساطة هي التعصب لشخص بعينه ، واعتبار كل ما يفعله صوابا ومبررا ، وهذا الاعتقاد هو عين الاعتقاد بالعصمة وان لم يصرح بها الصنمي ، ولم يعتقد بها في قلبه ، الا انه من الناحية العملية يتعامل مع هذا الرمز على انه معصوم منزه في كل ما يقول ويفعل ، ولا اريد هنا الحديث عن مساوئ الصنمية واثارها لكنني بصدد البحث عن الاسباب النفسية لهذا الداء الذي بدأ ينهش في البنية الاجتماعية ويسبب شرخا كبيرا في العلاقات المجتمعية.
-- من المعروف ان العصمة ليست من الخصائص التي يمكن استكشافها عن طريقة التجربة والملاحظة والمراقبة فان مراقبة الفرد في كل صغيرة وكبيرة وخصوصية من الولادة الى الوفاة هو امر متعذر على الجميع ولذلك كانت العصمة من الامور التي لا تثبت الا بالنص الالهي المبلغ عن طريق المبلغ الحقيقي للامة ولذلك اجمع الشيعة على ان المعصومين بالنص بين المسلمين هم اربعة عشر فردا فقط وان هناك من القلائل ممن اكتسبوا هذه العصمة بسبب تربيتهم على يدي المعصومين وهذا ايضا لم يثبت الا باشارات المعصومين عليهم السلام كالسيدة زينب وابي الفضل عليهما السلام.
-- اذا كان هذا الاصل الفكري ثابتا فمن اين نشأت فكرة تقديس الرموز الاجتماعية وتحويلهم الى قامات مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، اذ ليس من الوارد ان يكون منشأ هذه الصنمية هو منشأ فكري استدلالي يعتمد المقدمات الموضوعية العقلية للوصول الى النتائج القطعية ، ولو تابعتم دفاعات الجمهور الصنمي عن الرموز التي يقدسونها لاكتشفتم مدى الخواء الفكري والسفسطة التي تطغى عليهم والتناقض الفاضح بين سطر واخر من تلك الدفاعات. وازعم انني ممن يكثر الحديث مع هؤلاء ويعرفهم عن قرب.
-- هناك في الاعماق السحيقة للنفس حيث من الصعب حتى على الانسان يلاحظ ذلك ، هناك في تلك الاعماق يعيش كائن مرعب وخطير هو المؤثر الاكبر في كل حركات وسكنات الانسان ، تتجاوز خطورته خطورة الشيطان وخطورة العالم الخارجي بأكمله ، ذلك الكائن يطلق عليه " الانا" هذا الكائن الذي يدفع الانسان الى تقديس ذاته وخصوصياته وتعظيم شأنه وكل ما يرتبط به فيرى نفسه حقا مطلقا ويرى مخالفه باطلا محضا ، وكلما ازداد جهل الانسان بخفايا هذه الانا وتأثيراتها كلما ازداد عنادا وتعصبا ، وينجر ذلك الى كل الرموز والجهات والشخصيات التي يتبعها هذا الانسان فتصبح جزءا من ذاته وانانيته المقدسة التي لا يسمح بنقدها او تقويمها ، من هذا المنطلق يبدوا واضحا ان الصنمي عندما يدافع عن رمز معين او تيار او حركة معينة انما يدافع عن ذاته ونفسه وانانيته ، وهو في الحقيقة غير معني بذلك الحزب او الشخص بقدر ما هو معني بانه على حق في اتباعه لهذا او ذاك ، طبعا انا اقر بصعوبة تمكن الانسان من تفكيك دوافعه النفسية وتحليلها بالطريقة التي تمكنه من اكتشاف ذلك المرض الخطير ، ومن الصعب ايضا توفر الموضوعية والحيادية اللازمة عند تقييم الاشخاص والتيارات دون تدخل هذه الانا المضلة للانسان ، لكن ذلك في تقديري ليس مستحيلا منطلقا من قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وما اعظم ما قاله امير المؤمنين عليه السلام في اعظم كلماته العرفانية : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" فان معرفة النفس والتمكن من لجم الانا سيمكن الانسان من معرفة الحق واتباع سبيل الهدى بلا تكلف واول خطوات هذا المنهج هو رفع كل هالات التقديس عن اي حزب او جهة او تيار او شخص لم يصدر فيه النص الالهي او النبوي او المعصوم وهذه النصوص لم ترد الا بحدود الانبياء والائمة عليهم السلام (والفقهاء العدول في زمن الغيبة بحدود الطاعة وليس العصمة) واما فيما عداهم فان اي خط احمر يوضع في طريق انتقادهم او تقييم ادائهم فسيكون ولاشك هو اول اعراض داء الصنمية ، نسأل الله ان يرزقنا واياكم حسن العاقبة وتعجيل فرجنا انه سميع مجيب.
https://telegram.me/buratha