قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
في سنوات ما بعد الإنتفاضة الشعبانبة المباركة، أي في أواسط التسعينات من القرن الماضي، سلك نظام صدام؛ مسلكا ليس معهودا منه في الإعلام، فخلافا لما أعتاده من تضييق شديد الوطأة، وإمساكه الإعلام بمركزية شديدة، وربطه بمكتب الثقافة والإعلام لحزب البعث، وتشويشه على مصادر الإعلام الخارجية، الذي لم تسلم منه، حتى إذاعة صوت أمريكا والبي بي سي، والإذاعات الإيرانية طبعا.
إلا أنه كان يقطع التشويش؛ على إذاعة أهواز باللغة العربية، في تمام الساعة الواحدة ظهر كل يوم، ويسمح للعراقيين بسماع المحاضرة الدينية، التي كان يلقيها عميد المنبر الحسيني، الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (رض)..
الحقيقة؛ أن الشوارع كانت تبدو شبه خالية في هذا الوقت، وكان أغلب المواطنين، يتابعون محاضرات الشيخ الوائلي بشغف، وبعضهم كان يحمل معه راديو ترانسستور، كي لا تفوته المحاضرة، وحتى في دوائر الدولة ومؤسساتها، كان الموظفون لا يجدون حرجا، في سماع المحاضرة علنا، حتى أنه في أحد المرات، كنت في مراجعة لدائرة الأحوال المدنية، وكانت المعاملة على وشك الإنجاز، إلا أن الضابط جعلني أنتظر ساعة كاملة، ريثما أنهى إستمعاه الى المحاضرة!
في وقتها إحتار المتابعون بتفسير هذا المسلك؛ بعضهم أعتقد أنه مصيدة نصبتها أجهزة ابلنظام القمعية، لإصطياد المعارضين، بإعتبار أن الشيخ الوائلي أحد معارضي البارزين، وأن الإستماع له جريمة، وفعلا وقع في فخاخ أجهزة أمن النظام، أعداد من الشباب المؤمن، بجريرة الإستماع الى المحاضرة!
بعض الآراء ذهبت الى أن النظام، كان يريد أن يقول أنه لا يخاف الوائلي وأمثاله، وها هو يسمح بالإستماع لمحاضراته، لأنها لا تعني شيئا، إزاء جبروت النظام وقوته.
آخرين من السفهاء قالوا؛ أن رأس النظام نفسه، أي "صدام حسين"، كان يحب الشيخ الوائلي، وأنه يستمع له بإهتمام بالغ، وهذا ما دفعه الى أن يرفع التشويش الإذاعي، عن بث محاضرة الشيخ اليومية.
غير هؤلاء وأولئك، ثمة من قال، أن وراء ذلك خبراء بالحرب النفسية، وأن ما كان يفعله النظام، لم يكن إلا محاولة لإمتصاص السخط الشعبي، وترك الشعب يعيش بوهم الحرية، لمدة ساعة واحدة على الأقل، وأن هذه الساعة كانت بالحقيقة، حقنة مورفين إعلامية، يخدر بها النظام الشعب العراقي، بما يجعله ينسى الآلام التي يكابدها، من جوع وحصار إقتصادي، وشحة بالموارد، وقمع سلطوي، وكل الآثام التي أقترفها الطاغية بحقه.
الحقيقة أن كل التفسيرات كانت صحيحة، بضمنها تفسير السفهاء! لكن مع كل ذلك، فإن النظام كان خاسرا كبيرا في لعبته هذه، فلقد كان لمحاضرات الشيخ الوائلي، أثرا كبيرا في صناعة رأي عام، مناهض لصدام وزمرته.
كلام قبل السلام: الفوضى الإعلامية التي تضرب أطنابها فينا الآن، بحاجة الى ساعة واحدة فقط يوميا، تشد الشعب الى الصدق والحقيقة، وليس بالضرورة أن تكون هذه الساعة، للشيخ الوائلي (طيب تعالى ثراه)..!
سلام....
https://telegram.me/buratha