قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
غب التحول العراقي الكبير في نيسان 2003، كان العلمانيون العراقيين يمنون أنفسهم، أن الأمور ستؤول اليهم، وشاطرهم هذا التمني المحتل الأمريكي، وهو بالطبع علماني مثلهم أيضا، فعمل على تحقيق تلك الأماني، عبر سلسلة من التسهيلات والإجراءات التي أتخذها، ففتح الأبواب أمامهم على مصاريعها، وأشيعت أجواء لبست ثياب الديمقراطية على عجل، بغية الوصول الى الهدف.
بيد أن الرياح لم تجلب سفنا محملة بالبضاعة التي أرادوا، إذ تقدم الإسلاميون الصفوف، وهو أمر طبيعي في بلد مسلم، ولم يكتف الإسلاميون بالإمساك بالدولة، بل تصدو لمهمة إخراج المحتل الأمريكي، من خلال مساري العمل السلمي، الذي نهضت به قواهم المشاركة بالعملية السياسية، فيما قامت قواهم المجاهدة بما يمليه عليها واجبها، في مقارعة المحتل بالقوة المسلحة.
في هذا الأثناء كان العلمانيون يُنَظِرون لديمقراطيتهم، لكن وهم يُنَظِرون، لم يسمع منهم ولو همسا، أنهم يرغبون بخروج المحتل، بل كانت كل مؤشرات علاقتهم به، توحي بأنهم قد تماهوا معه، رابطين مصيرهم بوجوده، منحين الإستحقاقات الوطنية جانبا!
لقد ملأ العلمانيون الأجواء ضجيجا بالأحاديث التنظيرية، عن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وعن النهضة والإزدهار الإقتصادي، دون أن يقدموا برنامجا محددا لذلك، بل دون أن يقدموا دليلا على إعتناق تلك الآراء، أللهم إلا في جانبها المنفلت بكل قباحاته..
الحقيقة التي يعرفها كل العراقيين، هي أن العلمانيين قد حكموا العراق قرابة قرن كامل، إبتداءا من النشكل الأول للدولة العراقية الحديثة، في عشرينات القرن الفائت، ولغاية سقوط نظام صدام في 2003، وخلال هذا القرن، لم ير العراقيون منهم، حرية ولا عدلا، ولا احترامًا لحقوق الإنسان، ولا نهضة ولا ازدهارًا اقتصاديًا، وعند مواجهتهم بهذه الحقيقة، كانوا يجادلون بالباطل، ويتذرّعون بحجج شتّى لتبرئة ذمّمتهم، وتحميل الأنظمة العسكرية مسؤولية التردّي، بل للإسلاميّين أنفسهم، لأنهم "محافظون ورجعيون" يرفضون التقدم والحداثة!
في ذاكرتا أن اليسار العراقي العلماني، وتحديدا الشيوعيين منهم، قد تحالفوا مع البعثيين عام 1975، بجبهة أسمها الجبهة الوطنية، وها هم يتحالفون مع "أبناء" البعثيين مجددا، تحت عنوان القوى المدنية، رافعين نفس شعاراتهم القديمة، مبشرين بها، متوعدين "أعداءها"، حتى رفعوها إلى درجة الدين!
لقد زادوا على ذلك، فقرّروا أن ما يسمونه بالمدنية، هي الأصل والقاعدة ولا مكان للدين، إلا إذا أذعن لمنطقهم وقوانينهم، وكما ازدروا المتديّنين ،الذين يُعرِضون في رأيهم عن بركات المدنية، فيصفون الدين الإسلامي؛ والتشيع منه على وجه الخصوص، بأنه شريعة غابرة، وأحكام لا تصلح لأنظمة الحكم المعاصرة، بل وزادوا في الأمر ، حينما هاجموا المرجعية الدينية، وفي ذاكرتهم أنها حرمت في ستينات القرن الفائت، الإنتماء الى عقيدتهم الموبوءة بالكفر!
كلام قبل السلام: هذه حقائق مدعّمة بالأدلّة القاطعة، نتذكرها لنحمي خيارات الشعب العراقي المسلم، الدستورية والسياسية والاجتماعية من التعطيل، على يد علمانيين تأكّدنا جميعا، أنهم ضدّ التفاهم والتوافق، بل ضدّ رغبة الأكثرية، التي يعلمون أنها لن تنحاز لهم أبدًا، فاختاروا أن يقفزوا عليها ويتجاوزوها، فأعتدوا على الديمقراطية، دينهم المزعوم!
سلام...
https://telegram.me/buratha