قاسم العجرش qasimJ200@yahoo.com
ربما كنت قد كتبت شيئا ما مثل الذي أكتبه اليوم؛ وربما كتب فيه غيري كثيرا، وأكثرهم كانوا يعودون الى جذور التاريخ، حيث أولى محاولات البشر لإنشاء دولة، فكانت الدولة السومرية، وبعدها الدولة الأكدية والبابلية والآشورية وغيرها، عناوين مغرية للكتابة في هذا الموضوع.
بيد أن كل تلك التشكلات لم تبنِ دولة حقيقية، بل كانت كلها إمارات أو أنظمة للحكم؛ على أجزاء من بلاد ما بين النهرين، فقط كانت المحاولة الأولى لتشكيل دولة عراقية، بنظام راقٍ متكامل قد أنجزت في القرن الأول الهجري، من حاكم عراقي أصيل، هو علي بن أبي طالب عليه السلام..
عراقية علي بن ابي طالب ليست موضوعنا، فهي أمر مفروغ منه تماما، فهو من نسل أبي الأنبياء، النبي العراقي إبراهيم عليه السلام.
بعد أن إنثالوا عليه إنثيال الغنم، مبايعين وهو لها رافض، بقولته التي باتت واحدة من أكبر مقولات التاريخ، يا دنيا غري غيري، إتخذ إبن أبي طالب عليه السلام، وهو الخليفة الأول بعد ثلاثة حكام، حكموا بعد رسول الله صلواته تعالى عليه وعلى آله وسلم، قرارا هو الأحكم المحكم، بين كل قراراته الصائبة دوما، فقد قرر نقل دولته الى العراق!
إبتعد علي بن ابي طالب عليه السلام مختارا ومجبرا، عن البيت العتيق بمكة، الذي شق لولادته المباركة، وعن مرابع صباه، وعن آثار إبن عمه الرسول الأكرم، مؤسس دولة الإسلام، فلقد وجد انه إزاء مهمة تاريخية فوق العادة، ليؤسس شيئا إسمه دولة! وهو أمر ما كان يعرفه العرب، الذين اعتادوا سلطة القبيلة ولا شيء يعلو، فذهب الى حيث الذين يعرفون معنى الدولة.
لقد كان أمامه خياران أو إختياران؛ مصر وبينه وبينها بحر! والعراق وليس بينه وبين علي عليه السلام؛ إلا قفار مأهولة بقبائل أكثر تحضرا، من قبائل محيط مكة، وهذه القفار يمكن أن تطويها الجمال!
هكذا ذهب الخليفة الجديد الى العراق، وهناك تأسست أول وآخر دولة؛ للعدالة عرفتها البشرية.
طوى التاريخ صفحات مؤلمة بعضها مخزٍ، ومنها صفحة اغتيال علي، ومن بعده ولده الشهيد الحسين حفيد الرسول، وكل أسرته صلواته تعالى وسلامه عليهم، في المكان الذي إختاره لبناء دولته، إلا أن اختيار علي للعراق، مقرا لدولته كان أمراً ذا دلالة كبرى.
لم يكن اختيار علي عليه السلام للعراقيين، ولبلدهم العراق مقرا لخلافته ودولته، أمرا اعتباطيا حاشاه عليه السلام، فهو سيد الحكماء، وقد حسبها جيدا، فوجدهم أهلاً لذلك، فهو صاحب مشروع حضاري كبير، هو بناء دولة العدل الإلهي، وهو المشروع الذي كلفه تعالى بالنص القرآني المحكم؛ « (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً).
العراقيون بناة حضارة أصلاء، خسروا تجربة الإمام عليه السلام، لكن عليهم أن لا يخسروا العراق، الذي تأسس كدولة على يد علي عليه السلام.
لكي ينهض العراقيون من جديد، عليهم أن لا ينسوا التأسيس وأسبابه وإرهاصاصته، وعليهم أن لا يخروا صرعى ثقافات الإستلاب الغربي، أو الاستعراب المعادي لمنهج علي عليه السلام.
ليس في الأمر غرابة حين نكتشف؛ أن الإستغراب والإستعراب، تطابقت اليوم أهدافهما تماما، مع محاولات المتصهين بارزاني، وهو يسعى الى تدمير العراق، بعد فشل تجربة داعش؛ التي كان طرفا في إستحضارها..!
كلام قبل السلام: الضربات القوية تهشم الزجاج لكنها تصقل الحديد!
سلام..
https://telegram.me/buratha