قاسم العجرش qasimJ200@yahoo.com
قرأت في كتاب إبن الأثير (المثَل السائر في أدبِ الكاتبِ والشاعر) قصة ما يقال عن موضوع فيه شك وغموض أن فيه (إنّ).
القصة تقول؛ كان في مدينةِ حلَب، أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ اسمه (علي بن مُنقِذ)، وكان تابعًا للملك محمود بن مرداس، في القرن الخامس هجري.
حدثَ خلافٌ بين الملكِ والأميرِ، وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق.
طلب الملكُ مِنْ كاتبِه؛ أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ، يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب.
كان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك، بل وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك.
شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا، ولكنه كتبَ في نهايتها :"إنَّ شاء اللهُ تعالى" بتشديد النون !
لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته؛ لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شئ ما حينما شدّدَ تلك النون! ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى:(إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك).
ثم بعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ، يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة: «أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام» بتشديد النون !
لما قرأها الكاتبُ؛ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى: (إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها)، واطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر.
منذ هذه الحادثةِ، صارَ الجيلُ بعدَ الجيلِ؛ يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو غموض: ((الموضوع فيه إنّ))
موضوع إنفصال منطقة كردستان العراق، كان مبيتا منذ لحظة سقوط صدام، وكانت فيه (إنّ) واضحة كبيرة، يعرفها جميع العراقيين وساستهم.
لقد بدأت عملية إنفصال المنطقة، منذ أن تحول أسمها الى( إقليم كوردستان)، بعد أن كانت( منطقة كوردستان للحكم الذاتي) في زمن الطاغية صدام.
عمليا بدات عملية الإنفصال، على يد أمريكا وبقبول صدام نفسه منذ عام 1991، حينما تحدد خط العرض 36 شمالا، كخط لا يمكن للطائرات العسكرية العراقية تجاوزه، وكان القرار أمريكيا، ومنذ ذلك التاريخ كان يجري بناء "دولة" في شمال العراق.
جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الأسمر أوباما، كان صاحب مشروع تقسيم العراق، وهو مشروع مدعوم ومُقر، من الدوائر السياسية العليا في أمريكا، وما زال نافذ المفعول ويجري تنفيذه بحماس وإضطراد، ولم يتم التخلي عنه من قبل إدارة الرئيس ترامب قط.
كلام قبل السلام: الموقف الأمريكي من إستفتاء بارزاني على الإنفصال، يفضح الـ (إنّ) المخفية، فلقد كان الأمريكان؛ وبإشارة إصبع القنصل الأمريكي في أربيل، قادرين على إيقاف مؤامرة بارزاني، ولكنهم كانوا يريدون المضي بها قدما، لأن أوراق داعش سقطت؛ أو هي على وشك السقوط، ولم تبق بيدهم من ورقة سوى ورقة بارزاني، وها هم يستخدمونها؛ بعد أن وجدوا أنهم ليسوا بحاجة الى (إنّ)..!
سلام..
https://telegram.me/buratha