المقالات

في رثاء الشمس عندما تغيب

5069 2017-06-14

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com

في سنوية الشهيد القائد السيد صالح البخاتي

"ياراحلين وقد سكنتم جوارحنا    ليت الفراق ماكان ولاكانت مأسينا

تبكى العيون وقد اضحت مأقلنا         فجر الصباح بلا نور يلاقينا

تغدو الرياح بلا طيب نعانقه          ويأتى النواح بلا اذن يواسينا

صارت بطاح الارض مقفرة           وانكبت لظى الاشواق تكوينا

عفت الحياة بلا صديق أصادقه        وقد كنت لى الرقراق تسقينا

يامن كنت بكل سر أبوح له                وألقى لديه الحل يرضينا

مت رفيقى بعد فقدك ميتة                 افقأ العينين مبتور الأيادينا

حسبى بأن نسلك باقيا                    وان الشهاده عند الله تنجينا"

أهدي سلاماً طأطأت حروفه رؤوسها خجلة، وتحيةً تملؤها المحبة والافتخار بأخي الحبيب الشهيد الذي قدّم روحه ليحيا الوطن، لقد كان شمسا  تغيب الشمس خجلاً من  شمسه.

ليس هناك كلمة يمكن لها أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجرأ بعض الكلمات لتحاول وصفه، فهو: شمعة تحترق ليحيا الآخرون، وهو إنسان يجعل من عظامه جسراً ليعبر الآخرون إلى الحرية وهو الشمس التي تشرق إن حلّ ظلام الحرمان والاضطهاد.

نجمة الليل التي ترشد من تاه عن الطريق، وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، فهذا هو الشهيد. الشهيد هو رمز الإيثار، فكيف يمكن لنا أن لا نخصص شيئاً لهذا العظيم فأيام الدنيا كلها تنادي بأسماء الشهداء وتلهج بذكر وصاياهم، فأنّا لنا أن لا نصغي لها.

مرات ومرات، منذ أن رحل أخي الحبيب أبا مهدي، أدخل داري وأنا أتوقع أن أجده قد دخلها قبلي، ومرات أخرى حينما يحل المساء أقف في وسط  شارعنا، منتظرا اضواء سيارته، فقد كان يأتيني دوما عندما يرخي الليل سدوله..تعيبان خويه آنه، كلشي ما اريد، لا تخبص روحك، بس أرد الكف الفراش..

لكني لا أدعه ينام، وهو أيضا لم يكن قد أتي لينام، بل أن بيني وبينه مناجاة تأخذنا الى ما بعد منتصف الليل، كنا نتحدث بالهم الوطني، نناقش مستقبلنا، متحدثين عن الماضي بكل آلامه وآثامه، متناولين الحاضر بكل إسقاطاته ومشكلاته

لم يكن أخي وبؤبؤ العين سيد صالح، صديقا لي فحسب، بل له رضوان الله تعالى عليه أصدقاء في كل تخوم الوطن، ولا تعدم مدينة أو حاضرة من حواضر العراق من صديق..في الوسط والجنوب الوضع مختلف بشكل حاد، ففي كل قرية أو تجمع سكاني ، كان لإبي مهدي صديق بل أصدقاء..لقد كان صالح كل الوطن لأنه ذاب في الوطن .

ساعة تحين صلاة الليل كان يقف منقطعا كانه في عالم آخر، أتخيل له أجنحة يطير بها في عالم الملكوت، وحينما نذهب فجرا لزيارة ألإمامين الكاظمين عليهما السلام، كنت أحس كأن أحدا ما يستقبله.

 مرة كنا في حضرة الإمامين الهمامين، وكنت أجلس خلفه، ولم يكن يعلم أني خلفه، وسمعته يدعوا لي ولعائلتي ، أبنائي وبناتي ، أحفادي وحفيداتي، كل بأسمه، ..وأكتشفت لاحقا عمق علاقته بأسرتي، فقد كانوا يفزعون اليه في مشكلاتهم قبل أن يحيطوني علما بها..لقد كان رضوان الله تعالى عليه، صديقا لهم جميعا، وعرفت حينها أن عشرات الأسر من أصدقائنا يحتفظون له بذكريات لا يمكن أن تخرج من قلوبهم قط..

الشهيد البخاتي بحر زاخر بالعطاء، نهلت من معينه نصف عمري، ونصفه الآخر كنت أعد نفسي لألقاه، وأعترف لكم أني قبل أن اعرف سيد صالح، لم أكن مثلما أنا عليه اليوم، لم أكن قويا ، فإنا وبرغم بلوغي اليوم 67 عاما، إلا أني اقوى إيمانا وقرارا وتصرفا ومآلا، قبل أن أعرف السيد..مثلي كثيرين، فقد كان يعطينا ببذخ من كل معاني القوة والصلابة والرجولة التي يحملها.

 تخيلته مرة شهيدا في معركة الطف، وأن سنابك خيل بني أمية تدوس صدره الشريف، ثم يأتي الحسين عليه السلام ليجلس عند رأسه، ويخاطب السماء؛ اللهم تقبل منا هذا القربان..

أحسب أن لا أحد خسر السيد بقدرما أنا خسرته، بل أحسب أني خسرت نفسي التي لم يعد لبقائها معنى بعد إرتحاله..لكني اكتشفت أن كثيرين يقولون ما اقوله..لأن سيد صالح لم يكن صديقا لي وحدي، بل كان مشروعا لكل العراق، بل لأكل أمة الإسلام..

نم قرير العين أبا مهدي، فقد تركت خلفك أرثا باذخ الثراء، آلاف المجاهدين السائرين على دربك، سيرة  مكتوبة بماء الزعفران، على صفائح من ذهب، مرصعة بدرة سيد مهدي ويا قوتة سيد حسين، وزبرجدات علويات، وأخوة كل منهم شعلة من جهاد وإيمان، وعشيرة تفخر انك منها، ومدينة تتمنى أن تحمل اسمك أبد الآبدين، وعراق سيبقى يندبك كل حين..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك