شهاب آل جنيح
ما الذي يجري في بلدي؟! كل شيء متناقض مع الآخر، الوطن والأهل والأصدقاء، وحتى الأعداء، لا يوجد إلا المتناقضات في هذا الوطن!
منذ صغر سنك، يدعونك إلى الدراسة والمدرسة والجد فيها والنجاح، ويقولوا لك: هذا مستقبلك، ومنه تبدأ حياتك، فتسارع أنت لتحارب من أجل ذلك، وكلك عفوية وصدق، لم تعلمك السنين بعد متناقضات البلاد، فتَجد وتَجد، حتى يوم تخرجك، ليتحطم أمامك، حلمٌ رسموه لك منذ كنت صغيرا، وقد آمنت به؛ لأن عفويتك طغت على ما سواها، أما الآن فحلمك سراب، وما عليك إلا أن تكابد مرارة الحقيقة.
ليس هذا فقط، بل أنت الآن طرف خاسر وفاشل، في نظر من صنعوا لك حلمك الذي تحول لأوهام، فتبدأ المقارنات والمزايدات، لمَ أنت هكذا؟ وإلى متى؟ فليس عندك ما تقوله لهم سوى: أن هذه أكذوبتكم التي صدقتها، وآمنت بها، وما جريمتي سوى أنني كنت طفلاً جاهلاً، قولوا ما شئتم فهذه جريمتي!
جريمتي أنني ولدت في هذه البلاد، التي تعادي أبنائها، وتقتل علمائها، وتضحي بكل وفيّ لها، تقرب كل فاسد ومتملق، عفوا، يبدوا أنني ظلمت المتملقين والفاسدين، هذا الوطن لا يحترم المحترمين، ولا يجلّ سوى المتملقين، فعذرا لهم، لأن مصير حياتهم متعلق بطبيعة أفعالهم.
لا أخفيكم سراً، أن ما حرّضني على كتابة هذه الكلمات، هو خطيب يخطب في جمع من الناس، ويقول من يريد النجاح والتفوق؛ فلابد له من الجد والاجتهاد، فليدرس وليكتب، وأضاف فليكتب على "الكارتون"، "كارتون من الزبالة".
فتفاجئنا أنا وصديقي المتخرج منذ سنين، ولحد الآن بلا عمل، ولسان حال صديقي يقول: يبدو أذن، إن فشلي بسبب عدم الكتابة "الكارتون"! إذن هذه جريمتي، لا دخل للفساد في ذلك، يا ليت آبائنا نصحونا بذلك، كما نصحونا من قبل بالمدرسة، وبذاك المستقبل المشرق، الذي خلقوه بأوهامهم العاجية.
كلام الخطيب هذا، لا يختلف عن الكلام الذي قاله لنا آبائنا عندما كنا صغار، لكن نحن اختلفنا وكبرنا وعلمتنا الأيام، حتى صرنا لا نصدق الحقيقة فضلاً عن الأوهام، يا خطيبنا ويا آبائنا، الحقيقة المرة التي تعلمناها، هي أن المستقبل للفاسدين وأولادهم، للفاشلين وأتباعهم.
أيها العراقيون، وطنكم هذا وطن الأوهام؛ فلا ترسموا مستقبلاً زاهراً لأبنائكم؛ فتظلموهم، فالعراق لا يفي بوعوده، هو فقط يفي بوعيده، فإن أردتم أن تكاشفوهم الحقيقة والصراحة، فقولوا لهم: وطنكم يعشق الموت والقتال، يعشق الدماء، مستقبلكم متعلق بسيارة مفخخة، أو عبوة ناسفة أو رصاصة طائشة، لهذا خُلقتم، وما عليكم قبل ذلك المصير، سوى أن تكذبوا على أطفالكم وصغاركم، لترسموا لهم أحلاماً زائفة، ومستقبلاً كاذباً، فتخدعوهم كما خدعكم آبائكم من قبل!
https://telegram.me/buratha