العراق طيلة هذا التأريخ، كان يتخذ صورا ومساحات مختلفة في كل مرة؛ مرت أزمنة كان العراق فيها يتمدد ويتسع من الأناضول الى جنوب البحرين”دلمون” من الشمال الى الجنوب، ومن عيلام الى مصر من الشرق الى الغرب، ثم ينكمش في أزمنة أخرى، تبعا لصولات الزمن عليه ، فيقتصر على بعض “بغداد”!
مستعيرا تعبير الرئيس السوري بشار الأسد، بعد تحرير حلب، حينما قال أن الزمن بعد حلب تحول الى تأريخ، يحول أبناؤنا الزمن الى تاريخ أيضا، وهم يقضمون تفاحة نينوى، بهدوء يشوبه حذر، لكنه هدوء المنتصرين، وحذر الأشاوس، ثمة حراك سياسي معقد متشابك متعدد المسارات والمعطيات..
مصالحة مجتمعية، تسوية وطنية، تسوية تاريخية، مصالحة وطنية، تسميات تصب في نهاية المطاف، في نهر رغبة العراقيين؛ بالخروج مما هم فيه من مأزق تأريخي.
لاشك أن عداد توقيت “إختفاء” داعش، يوشك على أن ينتهي أجله، ولأن الساسة منشغلون بترتيب أوضاعهم السياسية تبعا لذلك، فإنهم لايجدون متسعا من الوقت، للنظر الى مسافات أبعد من زوال داعش، أو ما بعده بقليل، ولأنهم تعودوا التناحر السياسي، الذي تحول الى “حرفة” و”مهارات” لديهم، فإنهم حولوا قضية الخروج من المأزق التأريخي، الذي وضعنا فيه زمننا المأزوم، الى لعبة تغالب سياسي.
كمتابع وكإعلامي وكسياسي، لا يحتل مكان بين هؤلاء المتناحرين، بل أقف وسط مجموعة مهمتها صناعة الرأي، أحاول أن أنظر الى مسافة أبعد مما ينظرون، ولا أجد بداً من أن أذكرهم، بأن الأمر يفترض بهم القفز فوق كل السياسات الصغيرة، والإشتراطات السقيمة، والتي تدعو أحياناً إلى الريبة والتقزز والقرف، وتصريحات الساسة المأزومين، تكشف عقليتهم البائسة وقصر نظرهم.
على الساسة وهم يسعون الى البقاء في مساحة التأثير، فإن من المهم أن يعوا؛ أننا لحد الآن لم نكمل بناء عناصر الدولة، وأن الذي أنجزناه، وإن كان كبيرا بالألتفات الى الوراء، لكنه ما زال بعيدا أن يوصف بأنه “دولة كاملة”، وإذا كانوا راغبين بأن نبني “دولة كاملة”، فلا بد أن يتخلوا تماما عن الصغائر، ومن السياسات الفراغية، ليتوجهوا صوب السياسات الكبيرة؛ التي يتعين أن تمتد إلى البعيد..
كلام قبل السلام: على الساسة السنة تحديدا؛ الآن قبل الغد أن يقتنعوا؛ أنه لا بد من تلك الجراحة العميقة في الدماغ السياسي العام، وهذا لن يتأتى إلا بالجلوس وبلا ملل الى مثلائهم الشيعة والكرد، متخلين عن الخواء الزعاماتي الذي تخطاه الزمن، وإذا لم يبادروا الى ذلك بود ومحبة، فإن الوسط السني؛ قادر على أن يفرز قادة أكثر قدرة على تمثيله، من هؤلاء الذين كانوا سببا في تخريب علاقته مع شركاء الوطن.
سلام..
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha