قاسم العجرشqasim_200@yahoo.com
منذ أن تحول البعث الى حطام في 2003؛ لم يتوقف البعث عن دأبه للقيام، وهو قيام يعني إعادة المعادلة القديمة؛ في هيمنة فئة محددة على مقدّرات العراق وطنا وشعبا، والتحكم بمصيره السياسي والاجتماعي.
هذا الدأب المحموم؛ يواجه ومنذ أربعة عشر عاما، بمقاومة باسلة من الشعب العراقي، بيد أن ساسة العراق، وبالأخص أصحاب النوايا الطيبة منهم، يرون أن واقعنا العبثي لا يمكن الخروج منه، إلا بتسوية تأريخية، سيكون البعثيون جزءا منها، وإن لم يسموا صراحة بأسمهم الكريه المعروف.
الحقيقة المرة التي لا يمكن القفز على صحتها وواقعيتها، هي أن طيفا واسعا من “الآخر”، الذي يهتم الذين يتبنون قصة “التسوية التأريخية”، بقضية التفاهم معه، لا يتبنى أو يهتم بهذه التسوية، ويعود ذلك لأسباب تاريخية وقيمية في آن واحد، فهو قد تربى على أن يكون “سيدا” على بقية العراقيين، وهو لا يستطيع مغادرة هذا التفكير قط، لأنه تفكير راسخ في وجدانه، وتبدو محاولة تغيير هذا التفكير ضرب من العبث، ونفخ في قربة مثقوبة.
في ستينيات القرن الفائت؛ وصل البعث الدموي إلى السلطة، مستغلا حالة الفوضى وغياب القانون، التي سادت العراق في أيام تكوّن الجمهورية الفتية، وإستغل في تحقيق ذلك ضغط المحيط العروبي؛ الذي أدى بالعراق إلى انقسام طائفي وقومي، والآن يحاول البعث دفع جهات داخل العملية السياسية، تربطه بها علاقات تواشج، لا يمكن أنكارها أو التغافل عنها، لخلق موجة جديدة من الصراعات الطائفية والعرقية والقومية التفتيتية.
البعث لا يؤمن بمبدأ المشاركة أساسا، لذلك فأن رفض الشّعب، حتى لفكرة فسح المجال لهذا الحزب الإرهابي الإجرامي، بالعودة إلى الحياة السياسية كحزب قانوني معترف به، تحت أي عنوان أو وسيلة، يعد أمرا لا يمكن القفز عليه بأي طريق..
يزداد أمل البعث في الوصول مرة أخرى للحكم، كلما ضعف الحس الوطني العراقي، و أذا كنا قد شخصنا أسلوب البعث لتداول السلطة عبر الآليات التي أشرنا لها، فالرأي العام العراقي يريد لذلك العهد البائس المظلم أن لا يعود، وإذا لم يكن البعث قادرا على الاستيلاء على الحكم، عبر علنية المشاركة في العملية السياسية، فقد ركبها من خلال الجهات المشاركة في العملية السياسية، التي لا حاجة لتسميتها لأنها معروفة ومشخصة تماما.
برغم مضي أربعة عشر عاما على غيابه من واجهة المشهد العراقي، إلا أن البعث ما يزال يشكل الخطر الأساس في هذه المرحلة؛ لأن البعث الدموي يمكن له على الأقل، أن يضع العصي لإرباك الوضع السياسي، وأن يحطم الاقتصاد، ويوقف عجلة التطور، وقد أكدت وقائع الأيام، أن القاعدة وداعش وباقي التشكيلات الأرهابية، كلها صناعته التي أحترفها بأمتياز والتي أعد لها منذ أمد طويل..
كلام قبل السلام: في هذه المرحلة على الأقل، حيث نخوض معارك تحرير الوطن، من البعث وما صنع، فإن التسوية التأريخية التي يجري الترويج لها هذه الأيام، تعني فيما تعني؛ أن يتخلى الضحايا او ممثلوهم؛ عن أن يصيحوا “آه”، لأن هذه “الآه”؛ ستكون حجر عثرة، في طريق تحقيق المصالحة الوطنية، هذا المسمى الهلامي، الذي يفتقد لتوصيف ذي معنى مفهوم.
سلام..