قاسم العجرشqasim_200@yahoo.com
..ولو حاولنا تقصي أسباب وخلفيات الاختلافات بين البشر، بكل أنواعها؛ سواء العقائدية والعقلية والثقافيةمنها، أو النفسية والنفعية والذرائعية، لما تمكنا من أن نحيط بها أبدا، بل على العكس من ذلك، إذ ربما سيؤدي بنا البحث، إلى أن ندخل في إختلافات جديدة، نتيجة التنازع على التوصيف والأولويات!
ثمة حقيقة في شأنية الإختلاف، نجد أنفسنا مرغمة على قبول نتائجها، وهي أنه وبعيدا عن الأعتزاز بالرأي وثقافته، والذي هو ليس إلا إستبداد فردي، فإننا سنجد غالبا مسوغات منطقية لأوجه الاختلاف ؛ لإننا أذا سلكنا مسالك التفكير العقلائي، سندرك أننا قد ضللنا الطريق؛ إذا علننا إختلافاتنا بسياقات تنزيه أنفسا وتأثيم الآخر، ووسمه بأوصاف العمالة والخيانة والمؤامرة، والبلادة والحماقة والجمود.
إن إشاعة ثقافة التأثيم، في صفوف الجماعات والأفراد المتخالفين، تدمير منهجي خطير لبنية المجتمع، فضلا عن كونه أثم كبير، نرتكبه بحق أنفسنا قبل غيرها، ولعل أخطرها وأكثرها تدميرا، تلك الأطروحات الفجة المباشرة، بالاتهام بالعمالة تارة لهذه الجهة أو تلك، على المستويات الإقليمية أو الدولية على حد سواء.
ثمة مسلمة لا شية فيها، وهي أن الإختلاف واحد من أهم طبائع البشر، وهو إختلاف منتج للإبداع والإبتكار على مبدأية: شراب سائغ طعمه مختلف ألوانه!..اي أن يكون الأختلاف مقبولا ومحترما ومتفاعلا، لا يؤدي إلى القطيعة؛ إختلاف سائغ الطعم ليس مرا حنظلا، كطعم الإختلافات التي تشهدها ساحتنا السياسية العراقية.
صحيح أن خبرتنا قليلة بالتعددية والديمقراطية، لأننا منذ 1400 عام على الأقل، كنا طوال كل ذلك الوقت؛ تحت حكم ديكتاتوري دائم، لكننا يجب الآن أن نستوعب إختلافاتنا، حين نتحث عن مجتمع تعددي ديمقراطي، ولذلك فإن من أبسط قواعد مجتمعنا الجديد، أن نجد فيه للمخالف على كل صعيد، مقعدا محترما يليق به كشريك وطني، والمخالف هنا شخص أو هيئة أو عقيدة أو فكرة.
في ظل تفشي حالة السير في طريق المجهول، وكي نلحق أنفسنا قبل فوات الأوان، فإننا بحاجة إلى وعي جديد وثقافة متأصلة، للقبول بالرأي المخالف والاعتراف بالآخر، وبحاجة أشد؛ إلى عدم التخندق وراء متراس التخوين والتجريم، والإلغاء وسوء الظن بالآخرين, وثمة ضرورة قصوى؛ لاعتماد التهدئة في الخطاب السياسي، من أجل إبقاء الساحة الداخلية ضمن دائرة الاستقرار.
لتبريد أجواء الاحتقان والتوتر السياسي السائدة في البلاد، يتعين أن نقدم جميعا تنازلات متبادلة، في مسألة حل المأزق السياسي الذي نواجهه، معتبرين أن هذه التنازلات؛ تصب في مصلحة الوطن والمواطن العراقي، الذي يخشى فصولاً جديدة من الانقسام والتوتر..
كلام قبل السلام: في الأجواء المسمومة؛ يغيب سلوك الاتزان والعقل, وتكون الحكمة والمسؤولية في إجازة قسرية، أمام الاستفراد والاحتكار والإقصاء والفوضى..!
سلام..
https://telegram.me/buratha