قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
ونحن نرقب الهجمات المنسقة ضد المنجز الإسلامي، الذي تحقق في النصف قرن الأخير، لا سيما بعد إنتصار الثورة الإسلامية في ايران، على يد مجدد هذا العصر، الإمام الراحل روح الله الخميني "رض"، وقابلية هذه الثورة على الإستمرار بشكل مدهش، لابد من التأكيد تبعاً لذلك، على أن الإسلام هو تلك الدالات الثلاث: الدين والدنيا والدولة، ولا فصل بينها في إطار كونية الإسلام.
هذا هو نفس الإطار؛ الذي تحاول الطائفية اختراقه بصورة شاملة، فهي تتقمص دور الدين، وتتزيّا بعباءته وتتمظهر فيه، من أجل تسويغ وجودها، ونفي الوجودات الأخرى.
بلا عناء أيضا؛ سنكتشف أن الذين يتهمون غيرهم بالطائفية، يسعون إلى أخراج غيرهم من الدين نهائيا، وأنهم طائفيون بامتياز..
إذا فككنا أحجية الدين والطائفية؛ وكي نتخلص من الصداع الدائم في هذه الأحجية، علينا أن نفهم ونتفهم العلاقة بين الثلاثة: الدين والمذهب والطائفة، وسنكتشف كلما مضينا في التفكير قدما، أن المذهب مفصولاً عن الدين لا مشروعية له، فالمذاهب هي التظهيرات العملية للدين، والطوائف هي المجموعة البشرية، المتمذهبة بمذهب يستند على أساس ديني.
التعريف الأكثر وضوحاً وكثافة ودلالة للطائفية؛ هو: استخدام الدين لأغراض غير دينية، قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، وإذا توصلنا إلى هذه الحقيقة؛ نجد أن الدين لا يزوّد الذين يريدون استغلاله، لتحقيق مآرب غير دينية، بنصوص خام وصريحة، ولذلك فإنّهم يلجأون إلى التأويل.
التأويل هو ساحة التجاذب الفعلية، بين الأِفهام والرجال والتيارات، وبموجبه يتم تفسير الدين حسب الهوى، وليس الدين ذاته، والتأويل أيضا؛ هو المصنَع الفعّال لكل الأفكار والمواقف الطائفية، وهي بدورها التي تنزع نحو مصادرة الدين، وعياً وقيماً وحضارة ونظام حياة.
هذه المقدمة لا يختلف عليها أحد، بل هي محور اتفاق، غير أنها ذاتها ما يكشف حجم التعسف، الذي يمارسه من يتهمون الآخرين بالطائفية!
بالحقيقة فإن من يتهم الآخرين بالطائفي،ة هو الطائفي الأول! وإلا كيف تأتى له أن يتعرف على طائفيتهم المزعومة، إن لم يكن ثمة تناقض، بين ما يراه صالحا له ولجماعته، وما بين ما يمارسه الآخرين!
لنأخذ مثلا واحدا لا غير عن هذا التعسف: فكل ساعة يُتهم أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، أو الشيعة بالعنوان المخصوص بأنهم طائفيون، ليس لأنهم يفسرون الدين حسب الهوى، بل لأنهم يمارسون طقوسا لا تمس المحرمات؛ في أقل توصيف..يبكون مثلا على إمامهم؛ الذي يقول آخرون أنهم يحترمونه! حسنا مالك ومالبكائهم؛ دعهم يبكون؛ وهل في ذلك شنآن لك ولدينك!؟
يحتفل الشيعة بعيد الغدير الأغر؛ ذكرى تنصيب أمير المؤمنين علي عليه السلام، من قبل رسول الأمة صلواته وسلامه تعالى عليه وعلى آله، وهو تنصيب تعترف به كل المذاهب الإسلامية، لكن بعضها ينكر الآثار المترتبة عليه لأسباب طائفية، فمن هو الطائفي؟! وهل هو من يحتفي بما أقره الرسول الأكرم، أم منكره؟!
كلام قبل السلام: كي نفهم مصدر التعسف؛ علينا أن نستجلي المفارقات الحادّة، بين الدين والطائفية، ليس في السياسة فحسب، بل في كل المجالات.!
سلام...
https://telegram.me/buratha