قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
في محاولة لتوصيف العملية السياسية، التي حكمت مسار بناء دولتنا منذ 2003 ولغاية اليوم، توصل رجال السياسة الى أن الملمح الأبرز لها، هو التوافق السياسي بين أطرافها، وأن هذا التوافق مآل لا يمكن الحيد عنه، نظرا لطبيعة تكوين الشعب العراقي كما يزعمون.
الحال أن التوافق السياسي، أو نظرية " هذا لك وهذا لي"، نتج عنه ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، التي لا يمكن فيها المضي قدما في بناء المستقبل، إلا برضى وقبول جميع الأطراف، وهو أمر أثبتت مسارات حركة الوقائع والأيام، أنه يستحيل الوصول اليه، ويعطي بلا وجه حق أو تبرير، حق الفيتو لكل جماعة سياسية أو مكوناتية.
واقع الأمر؛ أن الديمقراطية التوافقية تسمية لا وجود لها في قواميس العمل السياسي، وهي إبتكار للطبقة السياسية العراقية، شرعنا به منذ تشكيلة مجلس الحكم البائسة، التي فرضتها ظروف إحتلال العراق عام 2003.
"الديمقراطية التوافقية" عملية إلتفافية على إرادة العراقيين، ومسار تزييفي لوعي الناخب، وإذا كان قد حظي برضا، في أيام التغيير الأولى، بعيد زوال نظام الأستبداد الصدامي عام 2003،أيام كنا منبهرين بالأحاديث عن الديمقراطية، فإنه ليس بغريب للعارفين لما جرى في العراق منذ 2003، ذلك المخاض العسير الذي أنجب التعددية الحزبية، التي سرعان ما تمّ وأدها في المهد بالديمقراطية التوافقية.
هكذا فإن الديمقراطية التوافقية قفاز حريري؛ يضعه لص سياسي ليسرق حلم العراقيين، بديمقراطية حقيقية يعرف من خلالها أين ذهب صوته.
اللص السياسي لم يكتف باللصوصية؛ بل إنغمس في لعبة الدماء فتلطخت يديه بها، لكنه سارع للبس القفاز الذي تحدثنا عنه، على يديه الملطختين بالدماء، ليوهم الناس بأنه ورع وتقي، يرعى مصالحهم، ويسهر على حمايتهم.
واقع الحال أن الديمقراطية التوافقية كذبة ككذبة نيسان؛ التي جعل منها من يُسمّون بالديمقراطيين، فرصة للمرح بيوم واحد كلّ سنة، للاحتفال بيوم الكذب بطريقة ساخرة، والحقيقة أنهم يكذبون طوال العام.
إنها الديمقراطية العرجاء، أو الديكتاتورية المرصّعة بالكذب، لا تسمح بالمشاركة ولا بأخذ الرأي، إلاّ إذا كان الرأي متوافق عليه، والتوافق عملية معقدة جدا، لا تتم إلا بتنازلات متبادلة، بها رابح وبها خاسر، لكن الخاسر الأكبر في لعبة التوافق هو الشعب.
الرأي التوافقي يجب أن يتماشى؛ مع مصالح القوى السياسية النافذة ومع نفوذها، لا تقبل بالإرادة الشعبية إلا إذا إذا وافق هواها، إنها ظلامية وعودة إلى عصور الإقطاع، حيث يتعين على أبناء العشيرة، قبول رأي شيخ العشيرة وإحترامه، حتى ولو كان على خطأ.
باختصار إنهم ديمقراطيون؛ لكنهم لا يقبلون بإرادة الشعب، لأنهم يعتبرونه قاصرا غير راشد، فقط عندما يختارهم، ويصفق ويهلل لمشاريعهم، فهو شعب أبي وصاحب معجزات..
كلام قبل السلام: الذي يمسك السكين على رقبتي، لا يمكن أن يكون رحيما مع طفلي..!
سلام..
https://telegram.me/buratha