يعيش العراق حالة من الهيجان، وغياب الرؤية، وضبابية الموقف، حيث تزدحم المتناقضات، فبين فاسد يرفع شعار الإصلاح، وبين عميل يدعي الوطنية، تتشوش الصورة أمام المواطن البسيط، الساعي للتخلص من الوضع المزري القائم، فتدفعه بساطته ورغبته في التغيير، بالوثوق بجهات هي أساس وسبب المشكلة.
مطالبات بالإصلاح ومكافحة الفساد، تطورت من تظاهرات إلى إعتصامات، تلاها إقتحام لأهم وأول مؤسسة تشريعية دستورية في العراق، ألا وهي مجلس النواب، في صورة فوضوية تعكس مدى التعدي على هيبة الدولة وكيانها، وتعكس صورة سلبية عن البلد أمام العالم.
الفوضوية لا تنتج شيئا أبدا، فالمتظاهرون تحولت أنظارهم من المطالبة بالخدمات، ومكافحة الفساد، إلى المطالبة بحكومة التكنوقراط، والتي لا يعرف أغلب المتظاهرون معناها، ونُسِيَ المطلب الأهم وهو مكافحة الفساد، وكأن حكومة التكنوقراط هي العصا السحرية، التي ستقلب العراق بليلة وضحاها إلى جنة الفردوس.
الحقيقة إن المطالبة بحكومة التكنوقراط، هي إختطاف للمشاريع الإصلاحية، وإلتواء على المطالب الأساسية، ويبدو إن مطالب التكنوقراط، قد غطت على الفاسدين وحمتهم، وتم نسيان أمرهم، فبتخطيط ذكي من الحكومة ورئيسها، وبعض الأطراف، حولوا أنظار الشارع العراقي، من مطالب مكافحة الفساد، والمطالبة بالخدمات، إلى المطالبة بحكومة التكنوقراط، ليختلط الحابل بالنابل، وتتيه الجماهير في غياهب الشعارات البراقة، وتنخدع بشعارات الإصلاح، التي لا تمس جوهر الحقيقة.
مشكلتنا في العراق؛ هي مشكلة متجذرة في أساس العملية السياسية، وبالطريقة التي يدار فيها الحكم، وبالصمت الحكومي عن مافيات الفساد، وعدم محاسبتها، بل تعدى الأمر إلى حمايتها من قبل الدولة، وإعتبار عمليات الفساد سياق ثابت، لا يجوز المساس به، وليست مشكلتنا بتغيير وزير هنا أو هناك.
إن من أراد الأصلاح يجب أن يكون واضحا، ويحدد أهدافه، التي تتناغم مع مطالب الشعب، والعمل على تنفيذ تلك المطالب، وعدم القفز على فورة الجماهير، وركوب الموجة، بدعوى قيادة الأصلاح، فمثلا النواب المعتصمون، ليس شغلهم الأعتصام، ولا من واجبهم التطبيل والصراخ، والعويل داخل البرلمان، إنما واجبهم إن كانوا دعاة إصلاح حقيقيون، أن يشكلوا كتلة معارضة قوية، تكون مهمتها مراقبة عمل الحكومة، ومكافحة الفساد فيها، والعمل على تشريع القوانين المهمة، والتي تمس حياة المواطن البسيط، وعدم التسويف فيها.
الإصلاح يجب أن يكون ضمن إطار دستوري، وعمل تشريعي صارم وقوي، وليس من خلال التهريج -والردح- في البرلمان، ووضع الحلول الترقيعية، الإصلاح عمل ورؤية، تستمد قوتها من الثقة التي منحها الناخبون لهؤلاء النواب.
https://telegram.me/buratha