اتخذت الحكومة موقفاً صحيحاً متوازناً في موضوع العلاقات مع تركيا.. فدخول دبابات ومقاتلين دون علم الحكومة هو امر ترفضه اية حكومة مهما كانت اوضاعها صعبة، وظروفها معقدة. صحيح ان المسألة متشابكة ومعقدة، فلقد سبق لحكومات سابقة سواء قبل التغيير او بعده، ان وافقت عبر محاضر جلسات او اجتماعات مشتركة على بعض العمليات ضد حزب العمال الكردستاني، وذلك بغض النظر عن صوابية تلك الموافقات. ورغم ان الكلام اليوم مثار حول معسكر "بعشيقة" لكن معالجة وبحث الموضوع يرتبط ايضاً باوضاع اقليم كردستان، ويشمل ايضاً الاوضاع في الموصل ومواقف بعض القوى السياسية الموصلية، والتي تحمل بعضها صفات رسمية. فكما ذكرنا اعلاه فان المسألة متشابكة ومعقدة، ويجب التعامل معها بحذر للدفاع عن السيادة العراقية، وحل الاشكالات، لا تعميقها وادخال البلاد في المزيد من المصاعب التي يمكن ان تحرفنا عن المعركة الاساسية ضد "داعش".
يحتج البعض ان الحكومة لم تتحرك عند اقتحام عشرات الاف الزوار الايرانيين الحدود في مناسبة اربعينية الحسين عليه السلام.. وهذا غير صحيح، فالحكومة تحركت، وحاولت المنع، ولم تشرعن الامر، رغم ان لا مقارنة بين دخول زوار سيعودون الى بلادهم، وارسال قوات مدرعة تستقر في عمق الاراضي العراقية دون تنسيق واتفاق مع الحكومة. فهذه اوروبا يخترق حدودها مئات الالاف من المهاجرين، ولم تتكلم عن انتهاك السيادة، بل وضعت اجراءات لقبول ورفض المهاجرين حسب المعايير المناسبة. بالمقابل يحتج اخرون ويقولون ما جدوى تقديم شكوى الى مجلس الامن والجامعة العربية، بل يجب التعامل مع تركيا كبلد عدو، ويجب قطع العلاقات السياسية والتجارية معها.. وهذا بدوره غير صحيح ولن ينفع في الدفاع عن سيادة البلاد، او التأسيس لحرب شاملة ضد "داعش"، او لتحسين العلاقات مع دول الجوار، الخ.
تبقى جميع وجهات النظر اعلاه محترمة وقابلة للنقاش، مهما بدا الخلاف عميقاً.. ففي العراق كيمياء خاصة، عند كثيرين، لفرز حب شديد او بغض شديد. وهذا امر له تاريخه واسبابه وعوامله. فبعض العراقيين على استعداد لتبرير كل ما تقوم به ايران.. واخرون مستعدون لتبرير كل ما تقوم به السعودية او تركيا.. وغيرهم يبررون لافعال الامريكان والروس والاوروبيين، كل من مواقعه وخلفياته الفكرية والسياسية. فالتبرير، وتهدئة او تصعيد المواقف حسب الجهة وخلفياتها شيء، واستخدام السخرية او المعلومات الكاذبة والمغالطة او المواقف المتآمرة لكسر شوكة الوطن والروح الوطنية وتحطيم كل المشتركات وكل الجهود حتى السليمة والصحيحة هو شيء اخر. الاول يدركه العقلاء، وهو جزء من المعادلة العراقية "الحليبية"
الخصائص التي ترتفع رغوتها سريعاً عند الاجواء الساخنة، لتهبط سريعاً بتوقفها.. وهو ما مر كثيراً وتكرر مراراً، فانتقل الاصدقاء لاعداء والاعداء لاصدقاء في فترات قياسية قد لا تعرفها بقية البلدان.. وهو ما يدفع العقلاء للتعامل مع احداث العراق بحذر شديد، لنبقى متمسكين بالثوابت والمبادىء، فهي عنوان وطنيتنا ووحدتنا التي تدور حولها الاغلبية الساحقة، حسب قناعتنا. اما اعتبار جعجعات "صدام حسين" وعنترياته وحروبه، وطنية، وهي التي قادت للقتل والتهجير واستخدام السلاح الكيمياوي ضد العرقيين، وقادت لاستباحة العراق وتدميره وتمزيق نسيجه، وعزلته عن محيطه وعالمه.. او اعتبار السخرية بالوطن وبابناء العراق وقدراتهم وكفاحاتهم وتضحياتهم، وتسفيهها وتدمير كل المشتركات والمباني، فهي الخيانة الحقيقية.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha