تساؤل مشروع يطرح نفسه بعد جملة من المتغيرات التي طرأت على الساحة العراقية مؤخرا, وهو هل خرج الوضع في العراق عن سيطرة بغداد؟ أما أنه مازال تحت السيطرة؟ التطورات الأخيرة على الأرض لاتبدو سارّة ولا تبشّر بخير, إذ تلوح في الأفق ملامح مخطّط مرسوم بعناية وتجري الأستعدادات لبدء تنفيذه على الأرض بدقة وحزم.
تركيا أسقطت طائرة مقاتلة روسية تحت ذريعة اختراقها ولثواني معدودة لمجالها الجوي, إصطفاف حلف الناتو خلف تركيا يظهر أن العملية رسالة تحذيرية لروسيا من التدخل لإجهاض او عرقلة المخطط المرسوم.
تركيا التي هدّتها روسيا وفرضت عليها عقوبات اقتصادية, لا تبدو مكترثة لذلك بل إنها بدت اكثر قوّة وظهر ذلك جليا عبر إرسالها لقوات عسكرية, دخلت في العمق العراقي وبالقرب من مدينة الموصل العراقية التي يسطر عليها تنظيم داعش.
القوات التي تتدرّب منذ اكثر من عام في معسكر ببلدة بعشيقة استعدادا لتحرير مدينة الموصل يبدو انها اكملت استعداداتها وهي تحظى بدعم امريكي وتركي, وتم الإعلان عن تسميتها بقوات الحشد الوطني ,على غرار قوات الحشد الشعبي وبقيادة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي.
زيارات محمومة في ظل هذه التطورات لرئيس إقليم كردستان الى كل من الرياض وأنقرة اللتان يلعبان دورا رئيسيا في صراعات المنطقة اليوم. إعلان أمريكي بارسال قوات جديدة للعراق كما صرح وزير الدفاع الأمريكي قبل أيام. فيما تواردت انباء لم يجري التأكد منها تشير الى تواجد قوات سعودية قوامها 800 في محافظة نينوى, في وقت تنظم فيه الرياض مؤتمرا لفصائل المعارضة السورية وحتى المسلحة منها.
هذه التطوّرات تشير الى أن الوضع خرج عن سيطرة الحكومة المركزية في بغداد, فهي غير قادرة على حماية اراضيها ولا وقف تدخلات الدول الخارجية في شؤون البلاد. فهي من ناحية تعصف بها الخلافات وتتجاذبها الولاءات القومية والطائفية, ومن ناحية اخرى فهي لا تمتلك اليوم من أسباب القوة ما يمكنها من ردع دول في المنطقة عزّزت من قدراتها ونفوذها خلال العقود الأخيرة, في الوقت الذي تراجعت فيه قوة العراق ونفوذه ولأسباب مختلفة.
ولاتبدو الحكومة العراقية بمستوى التحدّيات والمخاطر التي تواجهها , وليس للأمر علاقة بشخص من يرأسها, بل لأن الموروث ثقيل ولأن الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين, فشلت فشلا ذريعا في إستثمار موارد البلاد الإقتصادية وطاقاته البشرية في بناء جيش عراقي مقتدر قادر على ردع العدوان الخارجي وعلى حفظ هيبة الدولة العراقية.
إذ لا يبدو أن الساسة العراقيين المتصدّين كانوا مهتمّين طوال السنوات الإثني عشر الماضية, في بناء دولة قويّة, بل كان همّهم تعزيز مواقعم ونفوذهم والإستئثار بثروات البلاد, حتى اوصلوا الأمور الى نقطة اللاعودة.
وبالمقابل فإن المناهضين للعملية السياسية الجارية في البلد والحالمين بإعادة عجلة التاريخ الى الوراء سواء اكانوا في الداخل او الخارج, استجمعوا قواهم ووحدوا صفوفهم وقرّروا خوض معركة حاسمة سترسم نتائجها ملامح الشرق الأوسط الجديد.
وامام هذا الواقع فلاخيار امام القوى السياسية العراقية سوى إعلان حالة الطواريء في البلاد وتشكيل حكومة حرب مصغّرة تعلن التعبئة العامة وتبدأ عملية تحرير للمدن العراقية من قبضة قوى الإرهاب وفي طليعتها محافظة الأنبار,وان تحسن إستخدام علاقاتها بالدول المؤثرة في الإقليم والعالم, وبغير ذلك فإن على العراقيين تقبل ما سيرسمه الأخرون لمستقبل بلادهم, فمن يقف متفرجا وليس لاعبا, ومن هو عاجز اليوم عن إخراج قوة عسكرية تركية صغيرة من البلاد هو اعجز من ان يحفظ سيادة البلاد واستقلالها ووحدة اراضيها.
https://telegram.me/buratha