المستقبل كرؤية للمجتمع تعتبر مشوشة وغامضة بشكل عام ، ولكن كرؤية تخص القادة والمتخصصين فهي واضحة ، فنحن مقبلين على أزمة اقتصادية لمدة 3 سنوات تمر بها المنطقة بشكل عام ، وما يهمنا منها العراق ، العراق غير قادر على تجاوزها بالادوات الموجودة حاليا ً ، والفترة القادمة ستشهد تدخل للمرجعية الدينية العليا بشكل اكبر وأكثر ، حتى سيعتقد البعض اننا امام ولاية فَقِيه خاصة ، وهو ما سنحتاجه كون الكتل والتيارات والأحزاب ليس لها نية التوافق في أغلب ما يطرح او ما سيطرح ، وهو ما يهددنا بالدرجة الاولى ، فلذا نحتاج الى سلطة اعلى من الدستور والحكومة لإرغامهم بالخروج بتسويات ترضي جميع الاطرف ، وليس هنالك اي طرف يستطيع ان يؤدي هذا الدور غير المرجعية الدينية العليا ، سيعترض البعض على هذه الرؤية في باديء الامر ، ولكنهم سيسلمون للامر الواقع بعد رؤية الايجابيات اولا والهروب من سلبيات الساسة المراهقين ثانيا ً ، نحتاج الى وعي المرحلة وخطورتها وان يتم التعامل معها بعقلانية بعيدا ً عن العواطف لأننا سنشهد في المرحلة القادمة سياسات تقشفية قد لا ترضي المجتمع ، ولكن الحكومة مجبرة عليها ، كسياسة الادخار الاجباري للموظفين كأجراء احتياطي للحفاظ على سيولة مالية لدى الحكومة وهذا يجب تفهمه من قبل الشعب ،
صحيح ان ما وصلنا اليه هو بسبب الساسة ولا يجب ان يكون الحل على حساب المواطن ، ولكن هذا الحل أفضل الحلول السيئة ، لان الحلول الاخرى تدفع بأتجاه الاقتراض وهذا سيضع مستقبل البلد امام تحدي قد يفشل فيه ويجعله عبدا ً للديون ، وحيث ان القروض التي صرفت هذه الايام هي لتشجيع الموظفين والكسبة على فتح مشاريعهم الخاصة وعدم الاعتماد على الدولة ، لان الدولة خلال أشهر قليلة ستعلن عجزها عن دعم اي قطاع لعدم وجود السيولة المالية الكافية ، وسيقتصر جهدها في توفير أنصاف الرواتب لجيش الموظفين ، وسنحتاج الى تجربة عراقية خالصة للنهوض بهذا الواقع المتردي ، وان كنا لسنا على مستوى التحدي فعلينا ان نقلد اقرب التجارب كما يقول المثل ( ان لم تكن مبدعا ً فقلد ) وأقرب التجارب الاقتصادية الناجحة هي تجربة ايران حيث مرت بنفس ظروفنا من حرب واقتصاد ضعيف والبدء من الصفر ببناء دولة بعد الثورة الاسلامية التي قلبت الموازين على يد الامام الخميني رحمه الله
ملاحظة : ما ينقصنا هو منظومة الافكار الاجتماعية التي تسير وتحرك المجتمع ، فما دام التفكير التقليدي مخيم على العقول كعقلية استهلاكية غير أبهة للمصلحة العامة ومبذرة وتفتقد للمبادرة الفردية بعيداً عن اي تدخل حكومي ، يجعل من الاصلاح الاقتصادي شيئا ً ثانويا ً اذ يجب إصلاح منظومة الافكار المجتمعية بفكر حداثي ، ولا اقصد به طريقة التفكير الفلسفية الغربية ، وانما اي نمط يمثل نقطة انطلاق لتنمية بشرية بأتجاه إصلاح الفرد الذي يعتبر نواة الاصلاح بشكله العام ، وَمِن الايجابيات التي تمكننا من الانطلاق بهذه المرحلة هي الجوامع والحسينيات التي تعتبر كنزا ً مهملا ً ككنز الخيمائي المخفي تحت الشجرة ، وستكون الجوامع هي المنطلق اذا ما استثمرت استثمارا ً إيجابيا ً يوازي تحدي المرحلة الحرجة ، وسيمثل نقطة انطلاق لإعادة صياغة الثقافة المجتمعية بما يتناسب مع تحديات المرحلة .
https://telegram.me/buratha