===============
مدخل
===============
طيلة اكثر من عقد من عمر العراق الجديد , وبعد احداث دراماتيكية محيت فيها كافة اشكال البنى التحتية للوزارات الامنية , لاسيما بعد حل الجيش العراقي وتولي القوات الامريكية التي احتلت العراق المسؤولية في بناء تشكيلات جديدة للجيش والشرطة وجهاز المخابرات , طيلة تلك الفترة وما اعقبها من تشكيل الحكومات المتعاقبة , والوزراء الامنيون المتعاقبون (وإن بالوكالة) , وبرغم ان تلك المؤسسات الحديثة قد صرفت خلال 12 عام قرابة ال 200 مليار دولار , اي قرابة ال17 مليار دولار سنوياً , عدا عن التجهيزات الامريكية , فان حصيلة البنى التحتية لتلك الوزارات كانت صفراً فاضحاً بامتياز !!!!!,
فكانت تلك الوزارات تتعامل في مصروفاتها بترف غير منطقي , فالطعام كله جاهز بمقاولات تزكم الانوف , ومعظم صفقات السلاح كانت صفقات مشبوهة , والتدريب كان متواضعاً (بعد ان كان العراق , لعقود طويلة , قبلة المتدربين من منتسبي الدول العربية على الاقل) , وكانت الاموال تصرف ببذخ على جوانب غير مجدية كاستيراد الملابس العسكرية وملحقاتها , والدروع البشرية والاطلاقات وحتى الباجات التي يحملها المراتب على اكتافهم ,فكان القائمون على المؤسسات الامنية والعسكرية يتصرفون بالاموال بمايشبه ترف السائح الخليجي في اوروبا.
وبالتالي كانت النتيجة المتوقعة , هي ان المؤسسة العسكرية وتلك الامنية , اصبحتا عبئاً لايطاق على ميزانية الدولة التي كانت تدار بنفس الطريقة الساذجة , وكان ان ابتلع مقاولون وسياسيون فاسدون واحزاب عشرات مليارات الدولارات , ووصل امر الفساد الى درجة لاتطاق , ووصل الاحتيال في العقود الى درجة ان عقد طائرات تدريب كورية الصنع بيعت للعراق بسبعة عشر ضعفاً عن السعر الذي عرضه الكوريون للجيش الامريكي .
وحين كبرت مافيات حيتان السياسة , صارت لها قوة دفع ذاتي ونفوذاً شرساً يسعى لاستمرار الوضع كما هو عليه , الامر الذي كان يبتلع 20% من موازنة الدولة , وزاد الطين بلّة عاملان تكالبا على العراق , هما الهجمة الارهابية الشرسة التي استحالت الى دويلة مسخ ابتلعت ثلث العراق , وانهيار اسعار البترول التي ابتلعت بدورها اكثر من نصف موازنة العراق , وزاد عليها الفساد الاداري والفضائيين وجيوش الحمايات للمسؤولين وغيرهم .
وحين وضعت القوات المسلحة بكل صنوفها مع القوات الامنية , في اختبارات حقيقية واجواء المعارك , انكشفت جيوشنا على نواقص هائلة لم يفكر بها احد , فكانت سرايا تنقل للجبهة فتنهار بسبب العطش او نقص الغذاء والعتاد , وكانت المعارك تخلف جرحى , فتحتار بهم المشافي المدنية وشُعب الطواريء , فنضطر الى تسفير المحظوظين منهم الى مشافي خارج حدود الوطن , وكانت الامدادات تتعثر , والاليات تتعطل دون ورش حقيقية للصيانة , وبرزت مهازل الدروع المغشوشة التي يسهل اختراقها (كما حصل مؤخراً في وزارة الداخلية), وبرزت الحاجة الماسة الى الطرق والجسور والاسلاك الشائكة باعداد وكميات لم تخطر ببال المؤسسة العسكرية. وصار توفير العتاد للبنادق والمدافع , وتوفير الخوذ والملابس العسكرية , يشكل هاجساً كبيراً في الاموال وفي الاستيراد , وبالطبع كانت القطط السمان بالانتظار للتجهيز بعمولات , فتضخمت ارصدة هؤلاء مقابل دماء شهدائنا , ناهيك عما برز من اختراقات في منظومات الاتصالات العسكرية وفوضى المكالمات الهاتفية من سواتر جبهات القتال , وعجزت لوجستيات الجيش والداخلية عن توفير غذاء الطواريء والخبز والماء الصالح للشرب.
كل هذه النواقص كان لها ان لاتبرز , بل كان لها ان تختفي ,لو ان هنالك من فكر ببناء بنى تحتية لمؤسساتنا الامنية ولجيشنا , بل كان بالامكان ان نؤسس بمئات المليارات التي صرفت في الهواء, نؤسس لجيش وداخلية قويين , لايعززان الامن فقط , بل تعززان الاقتصاد العراقي الذي يقف على شفا حفرة من الانهيار, والامر ليس من قبيل المعاجز , لكنه ضمن الممكنات , بل والضروريات التي طبقتها دول كثيرة في العالم .
وليس ببعيد عنا النموذج المصري , حيث تعتبر المؤسسة العسكرية فيه مؤسسة ربحية تدير نفسها بنفسها , ولاتكلف الميزانية الحكومية شيئاً , بل انها تسلف الحكومة والبنك المركزي في الازمات , وتساهم في الصناعة والزراعة , من الصناعات الغذائية الى صناعة السيارات والاليات والاعتدة والالكترونيات التي تنافس بها في كل سوبر ماركت في مصر ,ناهيك عن بناء المساكن والطرق والجسور, وذات الحال موجود في ايران الاسلامية وفي دول اخرى في العالم .
وبالنظر لاهمية الموضوع وخطورته , فقد ارتأينا ان نجعل مبحثنا حول البنية التحتية مفصلاً بما يشبه ورقة عمل , عسى ان تسهم في دفع عجلة الاصلاح الاقتصادي والامني في المنظومة الحكومية بشكل عام , وفي المؤسسات الامنية والعسكرية على وجه الخصوص, فنحن نسعى في هذه الورقة الى ان تخطط الدولة والمختصون الى خطوات اساسية واخرى متوسطة المدى وثالثة بعيدة المدى , في مجال الببنى التحتية تلك , وسنبين في المقالات القادمة المتتالية , بإذن الله ,
ان الوقت لم يفت بعد , وانه ان كان استرداد المليارات المنهوبة هو ضرب من الخيال , فإن بناء الكثير من مفردات البنى التحتية , هو امر ممكن , وانه يفتح المجال الواسع للاستثمار , مما يخفف من اعباء المصاريف , كما سنبين كيف سنستطيع خلال نصف المدة التي سُرقت فيها عشرات المليارات من الدفاع والداخلية , ان نبني مؤسسات ومصانع ربحية تخفف عبء موازنة الدفاع لدينا من جهة , وتنعش الاقتصاد العراقي من جهة اخرى , وتساهم عبر هذين المنحيين الى دعم الاستقرار الامني في العراق , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha