==================
مقدمة
==================
الحديث عن اصلاح المؤسسة القضائية ليس حديثاً ذو شجون فحسب , لكنه محكوم بضوابط ومطبّات كثيرة , لان القائمين على السلطة القضائية قد رتبوا اوراقهم مبكراً عبر الدستور بألغام تمنع الاقتراب منهم , او هكذا يظنون, متناسين ان الشعب هو مصدر السلطات , وانهم بالنهاية يحكمون باسمه دون ان يختارهم.
==================
الامن والقضاء
===================
تأتي خطورة المؤسسة القضائية من كون ان كل الجهد الامني يصب في خواتيمه لديها , وبالتالي هي الوعاء الذي (ان كان مخروماً) فإنه يبدد اية جهود امنية مهما كانت جبارة ,ففي احدى القضايا التي فرطت فيها العدالة القضائية ،اطلق سراح مجرم ارهابي رغم ان القوات الامنية وجدت في ثلاجته رأس احد الضحايا التي جزرها, وكانت حجة محكمة التمييز التي الغت اعدامه هو عدم التعرف على القتيل !!!!!, ومن هنا جاء قول الامام علي (ع) من ان للعدل صورة واحدة وللجور صور شتى , لذا سهل الجور وصعب تحري العدل.
ان هنالك معادلة دقيقة بين احترام المواطن وبين تطمينه لاستقامة الاجراءآت القضائية , فقد عاش المواطنون لعقود ثلاثة في ظل قوانين ومحاكم قراقوشية تحكم بقطع الاذن واللسان, واعدام الاف المعارضين واهاليهم بمظلة مؤسسة عدلية فاسدة ,واذا به بعد سقوط الطاغية يجد ازلام تلك المؤسسة الفاسدة بين ظهرانيه تتولى اعلى المناصب القضائية , ومنهم الان من كانوا قضاة في مديرية الامن العامة ومنهم من كانوا في رئاسة الجمهورية الصدامية يكيفون للطاغية نزواته باجتهادات والاعيب قانونية فاسدة كنواياهم . ففيما كان العراقيون عطاشى للعدالة , ابتكرت القوات الامريكية مجلس القضاء الاعلى ونصبت عليه (وفق نصائح مستشاريها) قيادات قضائية افسدت فرحة العراقيين بالعدالة التي يتوخونها .
وزاد الطين بلّة ان اقدمت الطبقة السياسية الفاسدة في العراق على ايكال صياغة المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية الى ذات القيادة القضائية الفاسدة , التي تلقفت الفرصة فاحكمت مواد الدستور الخاصة بها بطريقة شيطانية جعلتها محصنة على ان تطالها ايدي التغيير , والانكى من ذلك انها جارت على الدستور بان اصبح الدستور العراقي يتيح لهم ان يتلقفوا المناصب بتفرد ودكتاتورية , فيما يشلُّ في ذات الوقت البرلمان من اهم صفة له وهي صفة تشريع القوانين , في لعبة دخلت فيها السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية الفاسدة لضمان مصالحهما المتبادلة بالضد من السلطات التشريعية . وبني على هذا الوضع امران : الاول : ان السلطة التشريعية باتت عاجزة عن مقارعة السلطة القضائية وعن محاسبتها , بل انها عجزت عن استرداد حقها في التشريع (اي حقها الدفاعي) فمابالك بالرقابة والهجوم!!!.
الثاني : ان التحالف المريب بين السلطة التنفيذية لعقد من الزمان قد جعل السلطة القضائية تمضي في فسادها وترتيب اوراقها , فيما غطت ودافعت وحمت فساد السلطة التنفيذية ومتنفذيها في البرلمان من اية تبعات وشبهات واتهامات مالية وامنية وسياسية .
وهنا نسجل ان هذا التحالف المريب قد كلف العراق والعراقيين ضياع قرابة الألف مليار دولار من موازناته المنهوبة , ناهيك عن عشرات الوف الشهداء على يد الارهاب والسلطة الامنية الفاسدة والمتراخية , بالاضافة الى ضياع حقوق عشرات الالاف ممن ساهمت السلطة القضائية في توجيه الاتهامات اليهم دون وجه حق من خلال عشرات الوف اوامر القبض التي نفذت بشهوة قادة عسكريين وامنيين واستخبارات فاشلة تأخذ بالشبهات , الامر الذي ادى الى ارتفاع مستوى الاحقاد , بل ساهم في الشحن الطائفي , ناهيك عن ضياع ثلث مساحة العراق على يد داعش وقادة خونة عسكريون وسياسيون , ورد ذكرهم في تقرير لجنة الامن والدفاع المختصة بجريمة سبايكر وضياع الموصل.
بالمقابل , فان السلطة التنفيذية قد غضت الطرف عن اي قاض مشبوه في اي منصب قضائي كان , تنفيذاً لدورها في الاتفاق الشيطاني , وكذلك لان السلطة التنفيذية آنذاك كانت ترحب بالفاسدين , وذوي الملفات المشبوهة , لانها تدرك مدى طاعتهم وانصياعهم لاغراضها .
لقد تنبه المواطنون الى حجم الفساد الذي احاط بانعدام العدالة , بل ان المرجعية الدينية طالبت , في لمحة ذكية للغاية , باصلاح السلطة القضائية ولم تطال السلطة القضائية ذاتها بحسم الامور القضائية , لعلم المرجعية من عدم جدوى مطالبة مؤسسة غارقة بالفساد , بان تحكم بالعدل!!!!!.
==================
مفارقة (بإسم الشعب!!!)
==================
المؤلم في الامر ان اي حكم قضائي يصدر من محاكم السلطة القضائية , فإنه ينطق بعبارة (بإسم الشعب), وهي مفارقة مضحكة مبكية , لانك حين تتحدث باسم جهة ما , فانك يجب ان تمتلك توكيلاً عنها , بينما لايمتلك قادة المؤسسة القضائية اي تفويض بحكم منع السلطة المنتخبة (البرلمان ) من التدخل في تغيير رأس السلطة القضائية , والاكثر من ذلك ان التظاهرات الشعبية التي عمت بغداد والمحافظات , اثبتت قرف الشعب(مصدر السلطات) من فساد المؤسسة القضائية .
=================
اتجاهات الاصلاح القضائي
=================
بالطبع , فان الاصلاح للمؤسسة القضائية معقد نوعاًما, لانه بثلاثة اتجاهات :
الاول الاصلاح الاداري والهيكلي للمؤسسة القضائية :
والذي يشمل تفعيل دور الادعاء العام (المهمل) وعدم جعل رئاسة الاستئناف بيد المسوؤل القضائي في كل محافظة , بل ان يكون الاستئناف مركزيا , له فروع غير معنية بسلطة المحافظة القضائية , الامر الذي يقطع الطريق على لفلفة القضايا وعرقلة العدالة , وكذا تغيير هيكلية مجلس القضاء الاعلى , وتفعيل مؤسسة الاشراف العدلي , ومنع السلطة التنفيذية من التدخل في العمل القضائي , والذي كان يتم عبر المحاكم العسكرية ومحاكم قوى الامن الداخلي التي كانت تتبع جهات تنفيذية(وزيري الداخلية والدفاع), والاهم من كل ذلك مراجعة المواد الدستورية التي أسست لدكتاتورية قضائية وظيفية , واعادة تعريف الدور التشريعي للبرلمان بما يخدم تعزيز السلطات الشعبية وتعديل القوانين الجنائية .
ثانياً:الاصلاح الامني وتنظيف المؤسسة
كلنا يتذكر المحاولة اليتيمة التي قامت بها هيئة المسائلة والعدالة , والتي اطاحت وفق مقرراتها برأس السلطة القضائية , وكيف تدخلت السلطة التنفيذية الفاسدة لبعثرة القرار والغائه وشن حرب شعواء على رئيس الهيئة , واقتلاعه , وملاحقته لاحقاً بشتى التهم واصدار اوامر القبض بحقه , وهو مثال حي على التحالف غير النظيف بين السلطتين طوال اكثر من عقد .
العراقيون بحاجة قوية لتعزيز مطالبتهم باقتلاع حصون السلطة القضائية بشكل سلمي عبر الضغط الجماهيري , وعبر السلطة التشريعية , بما يضمن تنظيف المؤسسة القضائية من كافة العابثين بمقدراتها , وبكافة ازلام اقبية التعذيب في المؤسسات الصدامية الاجرامية.
ثالثاً : رد المظالم
لقد ارتُكبت في ظل السلطة القضائية , قرارات ظالمة اضاعت حقوق عشرات الوف المواطنين , وهدمت سمعة اسر وعوائل , وساهم القضاة باصدار اكثر من مئة الف مذكرة قبض بحق ابرياء (اثبتت ذات السلطة القضائية برائتهم من خلال اطلاق سراحهم بعد سنوات من الغبن ومن شحن الاحتقان الطائفي والاسري), وكانت تلك المذكرات تعطى بالجملة لقادة وضباط امنيين فاسدين دونما تدقيق وحرص على مخافة من اضاعة حقوق وتلويث سمعة.
وفي ذات الوقت فان السلطة القضائية بكل اشكالها سكتت عن سرقة المال العام ,عبر تجميدها لدور محامي الشعب (المدعي العام ) الامر الذي جعل اية جريمة بلا مدّعٍ , كأنها ليست بجريمة.
ان مخاطر المظالم اعلاه وغيرها الكثير , قد ساهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي, وفي اشاعة الظلم وتطمين كبار المفسدين , مما يتطلب رد مظالم السلطة القضائية لكل من اصابهم الضرر منها .
خلاصة
=============
في العراق نظام برلماني , السلطات فيه للشعب , وتخضع لاختياره السلطات الثلاث , فلابد من ان تنتهي لعبة واكذوبة حصانة السلطة القضائية ورأسها عن اختيار الشعب , فمن غير الممكن , ان تكون قضية اختيار رأس القضاء,قضية مخالفة لابسط الاعراف , بأن يكون فيها رأس القضاء هو المحامي والقاضي والادعاء العام , فهذه قسمة ضيزى , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha