===============
مدخل
================
الى امد قريب كان يكفي ان تحتل البلاد عسكريا من قبل جيوش دولة ما , او ان تحتل مجموعة عسكرية محلية الاذاعة وتصدر بيان رقم واحد مصحوباً بآيات قرآنية ومارشات عسكرية , لتكون قد احدثت انقلاباً يزعزع النظام والدولة الهشة .
ولكن معطيات العصر باتت تفترض ان عماد أي بلد يعتمد على ركيزتي الاقتصاد والامن الداخلي , فصار يكفي ان تزعزع اقتصاد بلد ما مع مشاغلته امنيا ليصبح البلد في مهب الريح . فالاقتصاد والامن باتا معيارين مهمين تقاس بهما قوة أي بلد , بالاضافة الى المعايير الاخرى .
وقد ركزت الكتب السماوية على الواجب الابوي الذي اورثه رب العالمين لبناة الدول , فحدد رب العالمين الاطعام من الجوع والامن من الخوف باعتبارهما الواجبان الاساسيان لمن يتولى امور العباد (الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف), ولاننسى ان اية اسرة تنظر الى معيلها كونه المسؤول عن اطعامها وعن امنها.
من هنا جاءت اهمية الامن الاقتصادي في بناء الدولة , كشرط اساس للتقدم وللاستقلال السياسي, والامثلة كثيرة لدول مكبلة للان لآخرين بسبب خيبتها الاقتصادية , الامر الذي جعل بعض السلع الغذائية بمثابة اسلحة وسلاسل مكبّلة لحكومات وشعوب كسلعة القمح مثلا.
=================
ثلاثة دروس من قصة يوسف (ع)
=================
ولعلنا نتذكر اللمحة الرائعة التي يقصها لنا الباري سبحانه في قصة يوسف (ع) والذي انقذ مصر من مجاعة مؤكدة بحكم معلومات مبنية على الوحي الالهي . وما يهمنا هنا في قصة يوسف ثلاثة ملامح رئيسية :
الاول ان يوسف (ع) ارتضى (حين استشعر بالخطر الذي يهدد المواطنين) ان يعمل وزيرا للزراعة والاقتصاد لدى حكومة يختلف معها من الالف الى الياء , فهو نبي يدعو للتوحيد في مملكة يقودها مدًّعٍ للالوهية وهو امر ملفت , بل والانكى من ذلك ان النبي يوسف هو من طلب التصدي للمسؤولية وهو من طلب المنصب (قال اجعلني على خزائن الارض), الامر الذي يعيد تعريف الدين باعتباره في خدمة الانسان , وليس الانسان في خدمة الدين , فحتى العبادة هي في جوهرها لخدمة الانسان وتقويمه وليست عبودية عبثية , وهنا علينا التنبه الى ان يوسف (ع) كان غريباً عن مصر وليس من اهلها , وعومل بقساوة من حكامها وسجن وشوهت سمعته فيها.
الثاني : وهو مايقودنا اليه الاول , ان المتصدي للاصلاح الديني والدنيوي لايكتفي في مرحلة الخطر والمنعطفات بالنصح بل ينزل للميدان ليقود التغيير قبل فوات الاوان.
والثالث هو : العبقرية الاقتصادية التي اوحت له بالتصدي للمجاعة من خلال التخطيط الاستراتيجي ومن خلال التخزين في الصوامع العملاقة , ومن خلال التخطيط السليم للثروة , ادراكاً منه لاهمية الاقتصاد في حياة الامة
================
آفة الاعتماد على النفط
=================
ويتفرع الامن الاقتصادي (كما حددناه في كتابنا , الامن المفقود ) الى عشرة فروع اساسية رئيسية تعتبر من صلب واجبات الدولة , وهي الامن الزراعي واﻻمن الغذائي واﻻمن الصناعي واﻻمن المالي وامن المياه وامن الطاقة والامن البيئي واﻻمن الصحي واﻻمن السياحي وامن النقل والمواصلات .
وكل من تلك الفروع هي من واجبات الدولة وعماد قوتها , ولايشترط ان تقوم الدولة بادارة الموارد تلك مباشرة , بل ان من الافضل لها الاشراف العام وفتح ابواب الاستثمار والقطاع الخاص الهائلة في كل قطاع من تلك القطاعات العشرة.
اما الرضوخ الى آفة المورد الواحد , وهو البترول , فقد اثبتت لنا السنوات العجاف القليلة الماضية انه مورد في مهب الريح بحكم تقلبات الاسعار , فمابالك اذا ما كان هذا المورد في بلد يعد في قمة الفساد المالي كالعراق , الامر الذي اوصل العراقيين الى معادلة لم يتسنًّ لهم استيعابها وهي معادلة البلد النفطي والشعب المعدم .
===============
خلاصة
===============
لقد باتت العلاقة الجدلية واضحة للعراقيين في العقد الاخير من ان التنمية تقود الى الامن كما يقود الامن الى التنمية , وقد بات واضحاً لدى العراقيين ان الاقتصاد احادي الموارد يعد وصفة فاشلة حين يكون بلا تنمية وبلا تنشيط للصناعات التكميلية في البترول وفي الزراعة والسياحة وفي كل المجالات .
ان من مخاطر ماتمر به الدولة ان يسعى المواطن بموارده المحدودة ان يحقق امنه وغذاءه , فحين يوفر المواطن الكهرباء لبيته من المولدات المحلية , ويوفر الماء الصالح للشرب من خلال العبوات المعقمة , ويوفر باقي الخدمات بجهوده الذاتية , بل ويوفر احياناَ سبل امن اسرته وبيئته (كما في ذهاب المواطن لقتال داعش من خلال الحشد الشعبي) ,ويحل المشاكل القانونية من خلال منظومات كلاسيكية قديمة وبالية , حينها يشعر المواطن ان الدولة قد تخلت عن واجباتها , وان الحكومة لالزوم لها , بل قد يلجأ البعض الى ان يعتبر نفسه هو الحكومة .
فاذا اضفنا الى ماسبق ان يكون الفساد هو هوية النظام السياسي فحينها نعلم علم اليقين ان الخطر قد داهمنا من اوسع الابواب .
بشير الوندي
https://telegram.me/buratha