*المستشار د. محمد الدمرداش
ترددت كثيراً في الكتابة عن الشأن الداخلي للعراق الحبيب .. نعم لستُ من أهله ولكننا بالتحقيق أخوة أشقاء .. نعم أهل العراق أدري بشعابها ، ولكن ما نقول والشُعبُ كلها صارت مُشتبكة ، والقنبلة تضرب في بغداد ليدوي صداها في قلب القاهرة . أحبتي في العراق أصبنا لفترة بداء عضال تمثل في المظاهرات التي تستمر كل يوم للمطالب الفئوية والاحتجاجات علي الظروف المعيشية ، وكان ذلك باليقين مرهقاً للدولة ، ولكن في المقابل كان الجيش المصري البطل علي الحدود بكامل استعداده ولا يوجد علي ارض الكنانة عدو بعون الله يستعصي علي قدراته .. ومضي زمن هذه التظاهرات الذي تجلي لنا أنها لم تكن بجلها تبغي وجه الوطن ، وتفرغنا جيش الكنانة لاستكمال دحر كلاب أهل النار من خوارج العصر وشذاذ الأفاق .. الحال في عراقنا الغالي لا يخفي علي أحد .. كنا نتلهف ونتسمع الأخبار نترقب بشرى تحرير الأنبار وتطهير الموصل وغيرها من محافظات العراق .. تطير أفئدتنا فرحاً حين يتناهى إلينا خبر نصر يتحقق في أرض العراق الطاهرة ، وتنكسر حين يتناهى إلينا خبر انكسار هنا أو انسحاب هناك .. نتلظى علي جمر القلق حين تنقطع أخبار انتصارات جديدة أو هدوء علي جبهة العمليات .. نضرع إلي الله طويلاً في قنوتنا أن يمدكم الله بمدد من عنده ، ونرجو أن يكون لمصر وجيشها يوماً دور في نصركم القادم بعون الله .. لكن حالكم اليوم تبدل ، وسكتت أنباء انتصاراتكم المشرفة ، وصار ما يصلنا من أنبائكم لا يخرج عن أخبار المظاهرات التي تضرب بعض محافظات العراق من الجنوب إلي الشمال . وما يصاحبها من اتهامات بالفساد ودعوات لإجراءات عاجلة للإصلاح ومكافحة سرقة أقوات العباد.
كل يوم منذ أسبوع أو يزيد تصكُ مسامعنا أخبار من العراق بعيداً عن جبهة القتال التى لم نعد نسمع عنها حتى همساً ، الأخبار تروي وتنقل بالصورة والصوت مظاهرات كبيرة للتنديد بسوء الإدارة الحكومية ، تطالب بإقالة المسؤولين الذين تسببوا في هدر المليارات من الميزانية. ومظاهرات أخري لعمال قطاع الكهرباء للمطالبة بصرف رواتبهم التي لم يتقاضوها منذ ستة أشهر. وثالثة في قلب العاصمة بغداد في ساحة التحرير لمطالبة الحكومة بتوفير الكهرباء، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، في ظل ما أنفقه العراق من نحو أربعين مليار دولار على مدى 12 عاما على ملف الكهرباء، لكن المحافظات لا تزال تزود بالطاقة الكهربائية بمعدل 12 ساعة يوميا فقط . إضافة إلى كشف ملفات الفساد وإبعاد جهاز القضاء عن المحاصصة الطائفية والقومية .
وتتطور الاحتجاجات وتصير رشقا لقوات الأمن بالحجارة وإشعال الإطارات ، والأمور مرشحة للمزيد من التطورات التى تنهك جسد العراق المثخن بالجراح .. وفي الطريق تحدث مزايدات من هذا الفصيل أو ذلك التيار . ويصاحب ذلك كله شماتة من كنا نظنهم بالأمس أحباب ، يتراقصون كالقرود بلغة عربية أمام شاشات فضائياتهم البترودولارية، غامزين لامزين فرحين ، شامتين في اتساع المظاهرات وتفشي الاحتجاجات ، فحين يشمت بك الغريب فهذا أمرٌ غير مستغرب .. إنما شماتة ذوي القربى لأهلنا بالعراق أشد قسوة .. ويبررون بأنهم شامتون بدولة العبادي ، ويتحرقون لإسقاطها ، أيتعامون عن أن العراق العظيم أكبر من أن يكون دولة لأحد ؟ لا العبادي ولا غيره .. العراق بتاريخه التليد ومقاتليه النشامى من كل الطوائف ملك للعراقيين وسيظل نعم السند دوماً للعرب .. أهلنا في العراق نعلم ونلمس أن الحال في الخدمات قد بلغ من السوء مبلغاً يصعب علي غير الحليم تحمله ، ونوقن أنكم تحملتم ما لا يطيقه بشر منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان ، ولكنكم اليوم في مفترق الطريق ، تسطرون التاريخ للدنيا كلها ، تحملون أمانة الذود عن الإنسانية والإسلام في مواجهة جنود الشيطان . أهلنا بالعراق الإنسانية من مختلف الأطياف نذكركم أنكم علي خط النار تذودون عن الدنيا بأسرها .. فقليل من الصبر الذي مارستموه طويلاً ينجلي الصُبح ويندحر العدو ، وحينها تعيدون ترتيب البيت من الداخل بما يليق بعراقنا العظيم .
كاتب وناشط ساسي مصريhttps://telegram.me/buratha