مقدمة
================
المعركة ضد اي عدو هي صدام ارادات , ولكن حين يكون العدو ارهاب عصابي غاشم فحينها تكون معركة قيم ووجود معمدة بالدماء , وقد يبدو حينها هذا العدو قوي على باطله , فيما نبدو امامه ضعفاء على حقنا (مصداقاً لقول الامام علي عليه السلام).
وقديماً قال الفلاسفة : اذا كانت الظروف هي التي تصنع الانسان فلنصنع ظروفاً انسانية , ونحن نقول , اذا اردنا ان نصنع مؤسسات امنية قوية , فعلينا ان نخلق معايير قوية .
==================
رجل الامن سطوة وقوة بلا معايير
==================
رجل الامن يتميز بالسلطة والقوة (حمل السلاح ), ولاتزال احد افضل الحيل للتجاوز على القانون هي في التزيي بزي رجل الامن وحمل هوية مشابهة لهويته لانها تعطي اشارة انه رجل يحمي المواطن ويراعي تطبيق القانون , وهو امر لطالما عبرت من خلاله قنابل ومفخخات الموت .
ولأن من واجب رجل الامن حفظ الامن , فيجب ان تكون معايير اختياره وقبوله مشددة , وتزداد المعايير صرامة كلما كان المنصب اخطر واكبر , اما اذا كان تعين المنتسب يبدأ بالرشوة ب50 ورقة (5000 $), ثم تزداد المبالغ ببيع المناصب لتصل في بعض المواقع لملايين الدولارات , فهذا مؤشر على اننا قد بنينا مؤسسات تنتج الفساد بدلاً من مكافحته , وان سور المعايير والشروط اللازم توفرها قد تهدم ليتسلل لتلك المؤسسات الخطيرة سراق وفاسدون , بل وحتى جواسيس ومخربون وارهابيون, وحين تتهدم الاسوار تنهار المعنويات عند الشدائد وهو مايفسر الكثير من الانهيارات الامنية امام عصابات داعش . ================
فاقد الشيء لايعطيه
================
اهم المعايير تتمثل في الشعور الجمعي لافراد المؤسسة الامنية بان هنالك نظام وثواب وعقاب وتحقيق المساواة امام القانون داخل مؤسستهم , فرجل الامن رجل عدالة, وعليه ان يستشعرها في مؤسسته, ويتذوق حلاوتها واهميتها كي يسعى لتطبيق القانون , اما اذا فقدت العدالة داخل مؤسسته فحينها تحل النقمة من داخل المؤسسة , ويتسرب اليأس بين افرادها .
فالمنتسب يبدأ حياته داخل المؤسسة الامنية ناقماً على ضباطها بفعل الرشوة التي دفعها ليتعين , وحين يأتيه الراتب يرى ان اعلى مرتب ومخصصات تكون من نصيب عناصر حمايات المسؤولين في العاصمة بالمنطقة الخضراء المؤمنة , وليست للمقاتلين او لشرطة الحدود, وهذه صورة صارخة من صور الظلم والتمييز , ومثل هذه الامور لايمكن ان تصنع ابطالاً مقاتلين , وقد لايقف الامر عند هذا الحد , فوجود سيطرة امنية موجودها عشرون جندياً , لايداوم منهم عشرة من خلال رشوة امرهم بنصف مرتباتهم , الامر الذي يجعل العشرة الباقون يعملون بشكل مضاعف لسد النقص , ولكن العشرون باجمعهم سيحتقرون الضابط ويكرهونه , فدافعوا الرشوة يرونه سارق لقوتهم والنصف الاخر ينقمون عليه لانهم مضطرون لدفع الثمن من صحتهم وراحتهم , فيصبون جام غضبهم على المواطن , او ينتابهم شعور باللامبالاة باداء الواجب فتنفجر سيارة مفخخة عبرت من خلالهم دون تدقيق , وتبدأ بوادر الانهيارات الامنية .
================
بلد يكرم الجبناء
================
خلال 12 عام من عمر الحكومات المتعاقبة , لم يُحاكم ضابط واحد على الفساد او الجبن والتخاذل , ووصل الامر بضابط ان يمزق رتبته امام الكاميرات ويشتم الحكومة , فيحكم بسنة مع ايقاف التنفيذ فقط , بل ان ضابطاً كبيراً ارتكب مخالفات خطيرة واحتقانات طائفية وتجاوزات على القانون وحقوق الانسان وسرقة الملايين من الدولارات وهرب لمصر , ثم عندما أمنَ العقوبة استشعر بالامان فعاد للعراق وكوفيء , فتسلم منصباً رفيعاً (قيادة قوات البادية والجزيرة), ومرة اخرى سرق وجبن وتسبب بكارثة امنية , !!!! ولم يحاكم حتى ولا بمحاكمة غيابية .
وقائد عسكري رفيع اخر سلم كركوك لداعش (اثر سقوط الموصل) بلا قتال وهرب لكردستان , واستدعي الى بغداد لالمحاكمته وانما ليتسلم معسكر تجميع الهاربين وليشحنهم بالمعنويات ويرمم نفسيتهم المنهارة (!!!!), ثم يكافأ فيعّين قائداً لعمليات الانبار , فتضيع الانبار!!!, وبلا محاكمة ايضاً.
وطبيعي ان تكون لامثال هؤلاء القادة عنترياتهم في مجالسهم الخاصة حتى ان قائد احدى الاجهزة الامنية الخطيرة في العراق , لديه خزانة في صالة بيته فيها معرض ل800 قطعة سلاح , ويطمح امام ضيوفه ليكمل العدد الى 1000 قطعة بكل صفاقة !!!!في صورة معبرة عن الدونكيشوتية.
واذا كان تقييمنا للمؤسسة على اساس واجبها في تحقيق الامن , فإن رئيس شرطة برلين مثلاً يلبس قرطاً في احدى اذنيه ,لكن توافر الامان عندهم يشير الى ان معايير اختياره للمنصب كانت صارمة وموفقة, اما نحن فلم نحقق الامن , اذن نحن فشلنا في معايير الاختيار ,
ونشير هنا ان احد اسباب افلات القيادات المتخاذلة من الاحكام والمحاكمات , يعود الى خلل ومخالفة دستورية خرقاء ,فالدستور العراقي يفصل بين السلطات , ورغم ذلك فان المحاكم العسكرية تتبع لوزير الدفاع , ومحاكم قوى الامن تتبع وزير الداخلية فضاعت المعايير, وضاعت معها الحقوق. ===============
مفارقة
=================
نحن نعلم بالطبع ان عناصرداعش (وفق تركيبة عناصرها) لايجمعهم وطن , ولكنهم يطبقون العقاب على المتخاذلين والمنسحبين , والمفارقة اننا ندافع عن ارضنا وعرضنا ولانحاسب المتخاذلين؟؟؟.
فعند عدم وجود المعايير تحسم المعارك لصالح الاشرار , وهو مصداق قول الامام علي عليه السلام مؤنباً جنده في احد المعارك واصفاً الاعداء بانهم (اقوى على باطلهم منكم على حقكم), ولنا ان نتخيل ان جندياً يرى قائده جبان يسرق قوته ومرتبه وعتاده ,ويكرم , فهل يقاتل ويضحي بحياته, ام يولي هارباً؟؟!!!.
==================
خلاصة
==================
نحن نحتاج الى منظومة قيم ومعايير صارمة تبنى بها عقيدة عسكرية في مؤسساتنا الامنية , ونقول بثقة : لن تصمد مؤسسة امنية ,جيش او شرطة مادام الانتساب اليها بالرشى وبلا معايير, اما ان نبقى بلا سجلات جنائية للاستدلال على تاريخ المتقدمين للانتساب فهذه كارثة , فقد كانت المؤسسات الامنية تدقق حتى على الشرف الشخصي بالفحص الطبي!!!!!, فرجل الامن يتعامل مع افاقين ومجرمين فيجب ضبط حالته النفسية ,وان يكون قائده امامه مثالاً للشجاعة وحينها سيكون رجل امن مثابر ومخلص, اما اذا شعر بالسلطة والسطوة وعدم الرقابة , واستشعر جبن قائده , فحينها نكون قد حولناه الى كتلة من القلق والخوف والتردد في اطلاق زناد البندقية .
ولنا هنا ان ننبه اخوتنا ابطال الحشد الشعبي ,انتبهوا , فانتم لستم بمنأى عن تسلل مرض فقدان المعايير الى صفوفكم , وهنالك بوادر لشواهد يجب التنبه لها قبل الاستفحال . وياليت مؤسساتنا الامنية تطبق وصية الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر عندما اراد ان يوليه مصر حين يقول (فولِّ من جنودك انصحهم في نفسك لله ورسوله وامامك, وانقاهم جيباً , وافضلهم حلماً, ممن يبطيء عن الغضب ويستريح الى العذر, ويرأف بالضعفاء وينبو على الاقوياء, وممن لايثيره العنف ولايقعد به الضعف, ثم الصق بذوي المروءات والاحساب واهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة , ثم اهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فانهم جماع من الكرم وشعب من العرف) ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم
بشير الوندي
https://telegram.me/buratha