مقدمة
======
هنالك قاعدة استخبارية ذهبية تقول :إنَّ من يمتلك المعلومة يمتلك مقومات القوة وحكمة القرار,ويتناول مقالنا هذا الاجابة عن سؤال مهم هو :كيف نحول المعلومةالى معرفة والمعرفة الى حكمة , وكيف يكون العمل الاستخباري هو الكشّاف الذي تسير الحكومة بهداه في اتخاذ قراراتها الاستراتيجية ؟
==============
مسار المعلومة الاستخبارية
===============
بما ان عمل الاجهزة الاستخبارية الرئيسي هو الحصول على المعلومات التي تتيح معرفة مايخفيه العدو , فان لجهاز الاستخبارات مدخلات ومخرجات .
ونعني بالمدخلات :كمُّ المعلومات التي يتحصل عليها الجهاز الاستخباري من مصادر عدة منها المصادر البشرية سواء من خلال استنطاق الاسرى او الجواسيس والمصادر المزروعين في تنظيم العدو ومؤسساته , او المصادر الالكترونية الفنية بالاستماع والتنصت والاقمار الصناعية وغيرها .
ان كم المعلومات هذا يحوي قطعاً من احجية كبيرة , ويحتاج الى غربلة وتفكيك والى تمحيص ومن ثم الى استنتاجات , وهو مانطلق عليه بالمخرجات , فاذا كانت المدخلات هي المعلومات , فان المخرجات تمثل المعرفة التي تنتج عن هذا الكم من المعلومات , وهو مايقوم به متخصصون لمّاحون ذوو ملكات خاصة نطلق عليهم محللو الاستخبارات .
مما تقدم فان المعلومات الاستخبارية هي مواد خام قد لا تنتج عنها اية معرفة وقد تكون كاذبة ومدسوسة وقد تكون قديمة بلافائدة وقد تكون خطيرة للغاية , وان من يناط بهم تحديد ذلك هم المحللون , ومن هنا تاتي اهمية التحليل الاستخباري .
فالتحليل يعتمد على معلومات متناثرة او منقوصة او متكاملة وتفكيكها واعادة تركيبها والاستنتاج منها.
ولاتقف اهمية التحليل الاستخباري عند حد تحويل المعلومة الى معرفة , بل يتعداه الى ماهو اهم واخطر , اذ يتوقف على دقة عمله تحديد مدى اهمية مصادر المعلومات ومدى مصداقيتهم , كما ان تحليل المعلومة تنتج عنه اسئلة تحتاج الى اجابات لتبدأ دورة معلومات جديدة .
فضابط التحليل هو من يضبط العمل الاستخباري ويحدد مدى الاستفادة من المعلومة واهميتها ويحدد الحاجة لاجابات على اسئلة تكميلية تنبع من المعلومة, وهذا يعني ان العمل الاستخباري فيه القوة الفاعلة المسؤولة عن انتاج معلومات , وقوة عاقلة تحلل تلك المعلومات , الامر الذي يجعل التحليل بوابة تتيح الوصول الى خريطة استراتيجية واحصائية واستقرائية عن العدو .
==========
تقييم المعلومة
===========
ويمرتقييم المعلومات وتحليلها بثلاثةمراحل هي :
أ. تفكيك المعلومات (الفرزوالتصنيف) .
ب. تحديد درجة صحة المعلومات .
ت. فائدةالمعلومات .
ونقصد به ان المعلومات الاستخبارية تحتوي غالبا على عدة معلومات مختلفة التخصص , فيقوم المحللون بتفكيكها وتقسيمها فيما بينهم وفق اختصاصات دقيقة, كل منهم مختص بجزء من المعلومة ,فاحدهم مختص بانتحاريي داعش مثلاً ,واخر بامدادات داعش المالية , وثالث بتسليح داعش , ورابع باتصالات وجفرة داعش , وهكذا ,وحينها يسهل الافادة من المعلومة وتقييمها من قبل المختصين.
اما تحديد درجة صحة المعلومات فتتم من خلال الاجابة على عدة اسئلة اهمها : هل مضمون المعلومات منطقي ومعقول ؟ وهل يتوافق مع السوابق الموجودة ويتفاعل معها؟هل وصل أي تأكيد أوتكذيب للمعلومة من مصادرأخرى؟هل هناك احتمال لأن تكون المعلومات خادعة ومضللة؟من أوماهومصدرالمعلومات وماهي درجةالثقة فيه؟وماهي الظروف التي تحصل فيها المصدرعلى المعلومة؟ هل هي منطقية وهل يمكن أثباتها؟ ماهي معلومات العاملين في الأمن عن تجارب ومعلومات المصادرالسابقة؟ هل للمصدر فائدة شخصية من المعلومات؟هل يبدوأن المعلومات تعرضت لتغييرأونقصان وهل يبدوهذا التغييرأوالنقصان منطقيأ وواضح؟هل المعلومات التاريخية عن الأسماء التي وردت بالمعلومات تتماشى مع ماورد بها؟ ماهو رأي الشُعَب ذات الصلة بالمعلومات؟
اما عن فائدة المعلومة فانها قد تكون قديمة او مغلوطة او غير ذات اهمية , وليس الاساس كبر او صغر كم المعلومات , فقصاصة فيها رقم هاتف ابو بكر البغدادي تعادل اطنان من المعلومات احيانا. ==============
التحليل الفرويدي
===============
تعتمد بعض المخابرات الدولية ومنها السي آي أي على انماط من التحليل غير التقليدي كالتحليل الفرويدي , فكانوا يستعينون بخبراء بعلم النفس لتقمص شخصيات وزعامات , ومن ثم تخيل طريقة تفكيرهم في اتخاذ قرار ما , ومن الطريف هنا ان نذكر ان مونتغمري قائد جيوش الحلفاء بشمال افريقيا في الحرب العالمية الثانية كان يعلق عدة صور لرومل بلقطات مختلفة في غرفته , مدعياً انها تساعده في فهم خطوات رومل المقبلة !!!.
================
اهمية التحليل في القرار الاستراتيجي
================
ان للتحليل الاستخباري القدح المعلّى في اتجاهات القرارات الاستراتيجية السياسية والعسكرية للدول, فتحليل المعلومات ينتج عنه اكتشاف نوايا العدو المقبلة وخطواته الاستراتيجية , مما حدا بالكثير من الدول ان تقيم تعاوناً بين اجهزتها الاستخبارية وبين مراكز دراسات تنشئها لغرض التحليل , بعد ان تزود تلكم المراكز بالمعلومات المتوافرة وتنتظر منها استنتاجات تتيح للقيادة اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية.
ونشير هنا الى ان فشل اجهزتنا الاستخبارية دفعها الى ان ترفع سيولاً من تقارير استخبارية معلوماتية لتبين لمركز القرار انها تعمل , فيما ان نظرة الى تلك التقارير تكشف بسهولة انها تقارير معلومات عائمة وغير مدققة وليس فيها تحليل , فلايعد تقريرا ان نقول (ينوي العدو تفجير سيارات) , ولكن التقرير ان نقول( ينوي العدو القيام بفعاليات معادية لغرض الهاء قواتنا , وان نواياه الحقيقية هي بكذا وكذا ..)
والحقيقة ان جهازنا الاستخباري مشغول بالعمل الميداني ولاعلاقة له بالاستراتيجيات, وبالتالي فان تقاريره لاتنفع القيادة السياسية لاتخاذ قراراتها.
فجهاز الاستخبارات الناجح لايرسل برقيات بمعلوماته للقيادة , وانما يرسل تقرير استراتيجي وينتج ملفات تتحول الى سياسات , اما عندنا فاجهزتنا تريد ان تبدو تعمل من خلال سيل البرقيات الجوفاء للجهات العليا.
=================
خلاصة
==================
ان الصور الجوية التي تلتقطها طائرات التجسس لاتنفع برغم خطورتها مالم تعرض الى محلل للصور الجوية , وهو من يقرر اهميتها , وعلى ضوء تقريره يتخذ القرار السياسي او العسكري (كما في ازمة صواريخ كوبا عام 1960)
وقياسا على ذلك لاقيمة للمعلومة بلا تحليل يقوم به متخصص يستنبط من المعلومة ويرى فيها مالايراه سواه وفق ملكة وذكاء وقواعد علمية , وهو الامر الذي نبهنا اليه القران الكريم في آيات مذهلة في وضوحها كما في سورة النمل , وايضا في قوله تعالى قبل اربعة عشر قرنا في سورة النساء (( وَإِذَاجَاءَهُم ْأَمْرٌمِّنَ الْأَمْنِ أَوِالْخَوْف ِأَذَاعُوا بِهِ وَلَوْرَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُم ْلَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه ُلَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)) صدق الله العلي العظيم
https://telegram.me/buratha