من الطبيعي أن تأخذ القوات المسلحة العراقية كل الحيطة والحذر والتركيز على استراتيجية واضحة وحكيمة ودقيقة لتحرير محافظة الأنبار ولا شك أن طبيعة عملها سوف تختلف تماماً عن ما هو في محافظة صلاح الدين ولكن التجربة كفيلة بتعزيز جهودها عند وضع الخطط وعلى القوات المسلحة المشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي البطلة أخذ زمام المبادرة في جميع المجالات والمهم عدم الإفراط بقواتها وعليها وضع خطط تتناسب مع طبيعة الأرض والمجتمع الأنباري المنقسم حتى على نفسه. قد لا يمكن الاعتماد على القوة الجوية كعمود فقري في المعركة هناك تفاديا لضرب بنية المدينة، بل من الضروري الاعتماد عليها في شل تحركات قوات العدو خارج المدينة وتجحفلها وللمحافظة على السكان الشرفاء الذين قد يستفيد منهم الارهابيون كدروع بشرية مثل ما فعلت في مناطق مختلفة وخطوط المواجهة للمدن التي احتلتها سابقاً.
ومن المعلوم أن حروب المدن من أصعب الحروب وخاصة في الأنبار لأن القوات العسكرية لا تعرف العدو من الصديق فيها. كما أن جغرافيتها ممتدة وتشمل الصحاري الشاسعة وخطورتها تكمن في أمرين مهمين الأول هو الحدود السورية المفتوحة والمبتلية بالحرب والأزمة هناك والثانية قربها عن مدينة بغداد العزيزة أم التاريخ وقلبها النابض بالحياة رغم سيطرة القوات الأمنية على الأوضاع في العاصمة نظرا لوجود قوة بشرية هائلة تؤمن بوحدة العراق ولا أعتقد أن تستطيع الخلايا النائمة فعل شيئ سوى بعض العمليات المؤذية التي كثيرا ما تم إلقاء القبض على فاعليها مع احترامي لكل نقطة دم أباحتها هذه القوى الشريرة.
الرمادي محاطة بأحزمة ريفية غير خاضعة للحكومة أي بعيدة عن الرقابة مكنت من ان تستطيع خلق حواضن وبيئة مناسبة وأرضية آمنة واتخذت منها موطئ قدم ومن ثم مواضع محمية لتحشيد قواتها المهاجمة وعلى مقربة من المواقع العسكرية التي تتعرض بين الحين والاخر لهجماتها. أبناء الأنبار يشعرون بالإهمال بسبب الأخطاء القاتلة للحكومات المحلية التي بنيت على اساس المحاصصة تحت ظروف عشائرية وحزبية مدعومة من الخارج حيث اشتروا النار لمحافظتهم بثمن بخس كما قال عنهم القران الكريم (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (البقرة:86) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ((البقرة:90) وحتى تعيين القادة الأمنيين تمر بنفس الأسلوب وظهرت عيوبها في ساحات القتال حيث باعت ضمائرها وشرفها بحفنة من الدراهم المعدودة ومرتبطة حياتها كلياً ببقاء او نهاية العصابات الارهابية وهي من حيث الدعم المالي ترتبط بالدول المعروفة بدعم وصناعة القوى التكفيرية وأصبحت ملاذاً للتنظيمات البعثية وضباط الجيش السابق. ومنهم كانت القوات العسكرية التي تمثل الأكثرية العددية لأبناء الانبار. ومن البديهي أن لسقوط الأنبار تأثير في دق مسمار عدم التسرع في إجراء الخطط الاندفاعية لاستعادة الموصل بسبب ظهور نوع من التوافق بين السياسيين المتحالفين مع داعش المشاركين في العملية السياسية وقادة واشنطن وهذا ما ثبت من خلال الزيارات المكوكية لهذه الشلة المعروفة بولائها للعناصر التي ساهمت في تسليم الموصل مثل النجيفية والعسياوية وسوف تلحقها الجبورية كما هو مخطط له.
القوات المسلحة العراقية المطلوب منها أخذ الحيطة والحذر في خطواتها التي تهدف إلى إعادة الرمادي إلى حضن الوطن ليتنعم أهلها بخيرها أو بالعكس بالاعتماد على عامل السرعة والمباغتة قبل أن تتمكن قوات الشر من تجميع فلولها وخاصة إذا ما عرفنا أن قوات كبيرة أخذت بالانسياب من سورية نحو الأنبار عبر الحدود المشتركة على علم من قوات التحالف وتحت أشراف منهم بعد الضربات الموجعة التي تلقتها في القلمون وجرود لبنان المختلفة على أيدي رجال المقاومة الاسلامية والقوات السورية وطردهم من مرتفعاتها وقتل العشرات منهم. والمطلوب من القوات العراقية حاليا إشغال العدو بالهجمات المضادة قبل ثباتها لكي لا تتمكن من تعزيز قواها وسيطرتها في مسك الأرض كما فعلت داعش في الفلوجة والموصل عندما تركت دون مراقبة ومشاغلة ... ولا شك أن تقصير فترة الحرب ضد داعش في نهاية المطاف تعني سرعة نهاية هذه الجرثومة التي تسيطر على المناطق الغربية والشمالية الغربية للعراق ..
إن القوات المسلحة بحاجة إلى التخطيط المتين والمتأني لإعداد قوات مواجهة متمرسة والحشد الشعبي هي قوة إضافية مؤثرة تستملكه القوات القتالية معنوياً وبشكل مطلوب لاستعادة الأنبار على شرط الاستمرار في مسك الأرض في صلاح الدين وديمومة الفعاليات الإعتراضية والقتالية المنظمة هناك وزيادة تقدمها نحو الأمام ...
ولا نشك في إخلاص غالبية إخواننا من الضباط الأشاوس والمعروفين بولائهم لارضهم ولكن الحقيقة تظهر أن هناك اختراق من قبل أعداد من ضباط البعث السابقين وإن بعضهم ينقل المعلومات بدقة متناهية لجيوب العدو وينقل صور مغايرة لحقيقة الأوضاع للإعلام من داخل الرمادي ويؤثر بشكل سلبي على معنوية الجنود. كما ساعد عدد من هؤلاء على فرار الجنود من أرض المعركة وغياب أعداد منهم (الفضائيين) مما جعل مناطق واسعة غير مستعدة للمواجهة وأن لا تكون القوات المرابطة في بعض المواقع ندا قويا يرعب الإرهابيين وضعيفة الإرادة في صد الإرهاب واختيار الهروب وتركت أسلحتها - التي قدّرت بالآلاف من الأطنان والمئات من الآليات والمعدات العسكرية الضخمة - في أرض المعركة وكانت تكفي هذه الاسلحة للدفاع عن المدينة لمدة سنة كاملة. ووقوع هذه الأسلحة بيد الإرهابيين سوف يعزز دفاعاتهم. وهذا موضوع يجب الالتفات إليه بكل دقة وحيطة. كما أود التأكيد بأننا لسنا ضد مشاركة العشائر الخيرة الممؤمنة بالولاء للعراق كوطن ولا نشك في ولاء أحد منهم رغم اعترافنا بالارتباط العائلي والعشائري لبعض العناصر الإرهابية المتواجدة في المناطق الغربية للبلاد ولكن يجب أن تكون أعداد قوات العشائر في الحرب تحت سيطرة القوات المشتركة من الجيش والحشد التي تمتلك مقومات الصمود والتحدي والدافع المعنوي قتالياً في الثبات والعزيمة وتحت امرة القيادة العسكرية وعلى رأسهم رئيس الوزراء السيد الدكتور حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة. والمرحلة الحالية تتطلب وقوف جميع القوى مع كل الجهود الخيرة لتحرير كل شبر دنستة قوى الظلام والانتباه للمؤامرة التي حيكت من أجل تدمير العراق أرضاً ومجتمعاً ...
https://telegram.me/buratha