مقدمة
=========
الحرب في واجهة منها رقعة شطرنج تحتاج الى امكانية لدراسة عقلية الخصم لتوّقع خطوته القادمة , فان فشل التناغم في فهم تفكير الخصم فان قواعد لعبة الشطرنج الصارمة ذاتها لاتنفع في تحقيق النصر فخطواتك الكلاسيكية قد تجعلك تخسر امام مغامر حتى لو كنت بطلا في الشطرنج .
ان اساس مشكلتنا في الحرب على الارهاب في العراق تتمثل, كما نرى , في اننا نخوض بجيشنا النظامي حرب عصابات ,متناسين اننا في حرب العصابات قد تكون سرية بغال جبلية لها مرونة وفائدة اكبر من كتيبة مدرعة , وهذا هو لب المشكلة كما سنفصِّل.
=========
حرب العصابات
==========
تعرف حرب العصابات بانها حرب غير تقليدية، بين مجموعات قتالية تتكون من وحدات قتالية صغيرة نسبيا مدعمة بتسليح أقل عددا ونوعية من تسليح الجيوش, وتتبع أسلوب المباغتة في القتال ضد التنظيمات العسكرية التقليدية في ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي. ومقاتلوا حرب العصابات يتفادون الالتحام في معركة مواجهة مع الجيوش التقليدية لعدم تكافؤ الفرص، فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف استراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجع للخصم. فمن حيث المكان يستخدمون الكمائن والاغارة , ومن حيث الزمان يستغلون الطقس المضطرب والظلام الدامس والوقت الذي يكون فيه عناصرجيش العدو منهكون بالنعاس والتعب
============
اساليب حرب العصابات
=============
ان مصدر قوة العصابات المسلحة يتمثل في التكتيكات السريعة وخفة الحركة , وتتمثل اساليب حرب العصابات من خلال اساليب الغارات السريعة والمباغتة واساليب الالتفافات خلف خطوط الجيوش المدججة وضرب خطوط الامداد , كما ان سهولة تخفي عناصر العصابات بزي السكان المحليين يتيح لهم سهولة التنقل والتوغل والاستخبار عن تحركات الجيش(العدو) فتكون استخباراتهم مكثفة وأعمال الاستطلاع والرصد والتجسس لتحركات الجيش المعادي لصالح عملياتهم, وهو الامر الذي يتيح لهم القيام باعمال تخريبية في خطوط اتصال وامداد الجيوش النظامية
والقيام بعمليات الاغتيال والخطف, ناهيك عن امكانياتهم العالية في تزوير الوثائق التي من شأنها تسهيل مهامهم المختلفة.
وقد زادت داعش على تلكم الصفات الخاصة بحرب العصابات انها لاتمسك الارض وانما تعمد الى تكتيك جديد لطالما كررته من خلال القيام بصولة مكثفة لمناطق جغرافية رخوة واحتلالها والقيام بسرعة تفخيخ المنطقة بالكامل بشوارعها ودوائرها وبيوتها وحيواناتها واشجارها , ثم تقوم القوة الارهابية بالانسحاب من المنطقة وتترك فيها عدد محدود من القناصة ليشاغلوا الجيش وينهكونه ويجعلون الارض غير آمنة يستحيل اقتحامها وتحريرها بسهولة , ثم تكرر داعش العملية مرات ومرات لتجعل مناطق كبيرة من الارض غير امنة للجيش وباعداد محدودة من القناصة والانتحاريين .
المشكلة الأساسية ان اساس وحدة حرب العصابات هي الفرد والمجموعة. وهم عادة غير مسلحين - بعد اخفاء اسلحتهم - وحين يحملون السلاح فهم يحملون الاسلحة التي يمكن لاي فرد أن يحملها مثل البنادق ومدافع الهاون. وحين يخفون اسلحتهم ، لايمكن ان تميزهم عن بقية السكان, فهم يحملون السلاح في الوقت والمكان الذي يختارونه مناسبا لهم من اجل تقليل احتمال اكتشافهم او قطع الطريق عليهم.
=============
حلول الانتي بايتيك
=============
عبر التاريخ , لايوجد جيش نظامي في العالم يستطيع التغلب على ميليشيات , لان طبيعة حرب العصابات مختلفة ولها تكتيكاتها ولاتتناسب مع الجيوش النظامية كما اسلفنا , والامثلة كبيرة ومتكررة واكثر من ان تحصى كما في حروب فيتنام التي غاص فيها الجيش الامريكي وكذلك الامر في كوريا وكمبوديا وكذا الامر مع الجيش البريطاني بمواجهة الجيش الايرلندي السري , وكذا الامر في منعة البيشمركة وثوار الاهوار والجزيرة امام جيش الطاغية صدام الجرار .
لكل ذلك ابتكرت الجيوش في العالم حلولاً من خلال انشاء قوات المارينز والصاعقة والقوات الخاصة والمغاوير والمظليين وسمّها ماشئت , ولم تكتف الدول بذلك بل عمدت الى علاج المشكلة بطريقة (الانتي بايتيك) , فحين يصاب جسد بالتهاب ميكروبي يعمد الاطباء الى علاج الضد النوعي بحقن المريض بميكروبات مضادة (مسيطر عليها)لتقاتل الميكروب المسبب للالتهاب . حيث عمدت الدول الى انشاء عصابات عسكرية مسيطر عليها وتتشكل بسرايا خفيفة لمقاتلة القوات التي لايمكن الانتصار عليها بالمعارك النظامية , فكانت قوات الجحوش( الفرسان) صنيعة النظام لمقاتلة البيشمركة في جبال كردستان وكانت قوات الجيش الشعبي وقوات فدائيي صدام وجيش القدس لمقاتلة مجاهدي الاهوار والجزيرة في الجنوب , وكانت تجربة الصحوات الناجحة التي قادها الجيش الامريكي في المنطقة الغربية , وتجربة اسرائيل في تشكيل جيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد (ولاحقاً انطوان لحد) ضد المقاومة اللبنانية , وكذا في تجربة الFBI ,حيث جندت عصابات من قادة مافيا سابقين لمقاتلة عصابات المافيا في بلادها وفي امريكا اللاتينية , بل انهم استخدموا بعضهم كخبراء لانهم يفكرون بعقلية العدو, وكذلك في تجربة ال CIA في انشاء عصابات القاعدة وبن لادن لضرب السوفيات في افغانستان .
من ذلك نستنتج اننا في الامن نحتاج الى تشكيلات عصابية خفيفة من اهالي المنطقة المستهدفة ,لان صاحب الدار ادرى بالذي فيه, وننوه هنا ان استخدام عبارة عصابية هنا ليست شتيمة لكنها توصيف عسكري جامد لاغير .
ولعل النجاحات التي تكللت بها جهود ابطال الحشد الشعبي في مقارنات لارتباكات وسط قوات الجيش والشرطة الاتحادية مردُّه الى انهم كانوا قد قاتلوا صدام سابقا بتشكيلات عصابية مجاهدة ومقاومة وبالتالي فانهم يعرفون كيف يفكر ارهابيوا داعش .
وهو مايؤكد حاجتنا الماسة الى خبرات مقاتلين قاتلوا صدام ونظامه في ظروف شبيهة تضاريسيا ولوجستيا لوضع القاعدة وداعش , وهو امر لطالما جرى تشويهه من قبل قوى خفية تحت بند السخرية من ضباط الدمج , فيما نحن بامس الحاجة الى خبرتهم الان في حرب العصابات . ===============
حين نعين العدو على انفسنا !!!!
==============
مما سبق , فاننا نحتاج الى توافر تشكيلين عسكريين مهمين في حربنا على الارهاب وبالسرعة القصوى , اولهما هو جهاز حقيقي لمكافحة الارهاب , وثانيهما هو اقامة ميليشيات من اهالي الغربية لمقاتلة ارهابيي داعش , وبغير هذين التشكيلين الرديفين للجيش والشرطة فلا حل على المدى المنظور في القضاء على داعش.
بالنسبة للجهاز الاول (جهاز مكافحة الارهاب) فان الجهاز الموجود بهذا المسمى عندنا هو جهاز فاشل بامتياز ,ونحن هنا لانتجنى على الجهاز ولكن الحقيقة الساطعة ان لدينا جهاز مهمته الاساسية (هكذا يفترض) مكافحة الارهاب ولكن الارهاب في تزايد في العراق , بمعنى ان الجهاز فشل في مكافحته .
ولعل اطلالة على مهمة الجهاز المكافح للارهاب في العالم يجعلنا متيقنين اننا امام كارثة لابد من ان نفوق من صدمتها .
فتتلخص مهام قوات مكافحة الارهاب به :
1- مقاتلة قوات العصابات المسلحة (الارهاب), ولكن في نفس الوقت لديهم امكانية الحصول على قوة متفوقة تكنلوجيا تأتي لنجدتهم عند الحاجة
2- جمع المعلومات عن تجمعات الارهابيين وتغذية الجيش أو المخابرات بها
3- تجنيد وتدريب قوات محلية تقاتل، نيابة عنها، قوات الارهاب والتشكيلات العصابية.
4- تنظيم عمليات تهدف الى احداث شروخ بين تلك التشكيلات المعادية والسكان.
وتقسم الوحدات الأساسية التي تقوم بمهام مكافحة الارهاب الى نوعين :
الأولى ، تلك التي تسمى (قوات خاصة) - وهم من المشاة المدربين تدريبا عاليا ويحملون اسلحة خفيفة - وهدفهم تنفيذ المهام الأولية.
الثانية ، المزيد من القوات التقليدية اما ملحقة بالقوات الخاصة او متوفرة عند الحاجة ، هدفها تعزيز القوة المشتبكة
بالطبع فان اية نظرة موضوعية لجهاز مكافحة الارهاب ولما عددناه من مهام اساسية كان يجب ان يضطلع بها تجعلنا متيقنين من ان جهازاً بوزن وزارة في العراق , قد فشل في مهامه .
وللامانة فان احد اسباب الفشل في هذا الجهاز تعود الى ظاهرة عدم احترام التخصص (الصنف) في العراق . فرئيس الجهاز منذ تسعة سنوات!!!!! اختصاصه مقاومة طائرات , وحتى سقوط نظام صدام الغاشم كان هو آمر كلية الدفاع الجوي , فالرجل طوال عمره عينه على السماء , على عدو يأتيه من الجو , فيما لايمكن ان يقود جهاز حساس كجهاز مكافحة الارهاب الا رجل متمرس بصنف الكوماندو والعمل خلف خطوط العدو والحرب الثورية , ولعل عدم الخبرة في قيادة مثل هذا الجهاز الخطير هو مادعا رئيس الجهاز الى اصدار امر في دائرته لم يجرؤ حتى اوباما الذي يمتلك مفاتيح الحرب النووية في العالم , من اصدار امراً مشابها ً له , فحين يخرج رئيس الجهاز من مكتبه الى الممر , يجب على كل من يتواجد في الممر ان يلتف بوجهه الى قبالة الحائط !!!!!!!!. ولنا هنا ان نذكر قصة ذات مغزى , فحين حان وقت تقاعد الجنرال ايتان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي (79- 1983), كانت مهمته الاخيرة ان يعطي تقييماً لمن سيخلفونه من المرشحين المحتملين , فكان ان رشح احد الضباط من صنف القوات الخاصة وفضله في التقييم على احد المرشحين من اقرباءه من صنف الدروع , وحين سُئل قال : حربنا القادمة في جنوب لبنان وسنواجه حرب عصابات ضارية , فالافضل في هذه المرحلة مختص بصنف حرب العصابات !!!!
============
مخاوف غير مبررة
================
اما الجهاز الثاني الذي لامجال للافلات من اهمية تشكيله فيتمثل كما قلنا بتشكيل ميليشيات من عشائر المنطقة الغربية لمقاتلة داعش
من الطبيعي وفق ماخلفه الشد الطائفي المقيت ومارسخه نظام صدام الطاغية , فان هنالك من يتخوفون ويترددون من تشكيل ميليشيات في المناطق الغربية السنية , ولنا هنا ان نلفت الانتباه الى ان صداما كان يرى مكمن الخطر من اهالي جنوب العراق وليس من اهالي صلاح الدين , لكن حلوله لمكامن الخطر كانت بان وسّع الانتماء لحزبه في البصرة حتى اوصله الى مستوى سبعة فروع للحزب فيما لم يحتج لاكثر من
فرعين في صلاح الدين !!!!وهي خطوة لاتخلو من ذكاء .
ان الموضوعية تجعلنا نقرّ ان اكثر شهداء الجيش والشرطة (باستثناء المجازر الارهابية الطائفية كمجزرة سبايكر) هم من اهالي الغربية اي ان بينهم وبين داعش دم , فحتى 2010 , قدمت الداخلية على سبيل المثال حوالي 16 الف شهيد , منهم 12 الف من الغربية وحدها . وهذا يعني ان عامل الثأر من القاعدة وداعش حقيقي. ولاننسى ان القاعدة وداعش لطالما فجرت بيوت كل من انتسبوا للاجهزة الامنية والعسكرية من اهالي الموصل والغربية وديالى , فكانت خسائرهم مادية وبشرية .
كما زادت داعش الطين بلّة ببطشها عند دخولها المدن في الموصل والغربية وقامت باذلال العشائر , مما ضاعف من حقد اهالي الغربية على الارهابيين لان داعش اعتبرتهم خونة, كما ان علينا ان نتنبه الى ان هنالك فئةعمرية في الغربية يجب شفطها بدلا عن ان تاخذها داعش كما فعلت في اطفال بعمر الزهور في سوريا والموصل .
اما الحديث عن ان داعش هم ظهير السنة , فهو امر فيه مغالطة كبيرة ,فلو كانت داعش ظهيراً للسنة لبقي اهالي الموصل حيث هم ولما وصل عدد المهجرين الى 3 ملايين بالارقام الرسمية , فلو اننا دربنا 10 بالمئة منهم من القادرين على حمل السلاح وحاقد على داعش فهذا يعني 300 الف مقاتل متحمس ضد داعش, وهو رقم خطير!!!.
==========
خلاصة
===========
لم يعد الامر يتحمل المجاملة , نحن نواجه الارهاب بجهاز مكافحة ارهاب فاشل لابد من هيكلته , وفي ذات الوقت علينا ان نحشد الطاقات لمواجهة عصابات داعش .
لقد استطاع صدام باجرامه ان يحشد جيوشاً جرارة من شيعة الجنوب لمقاتلة ايران الشيعية , فهل يصح ان نعجز بوطنيتنا ان نحشد السنة لمقاتلة من قتّلوهم واذلوهم وساموهم العذاب من عصابات داعش الاجرامية ؟؟!!!!.
https://telegram.me/buratha