تمثل عائلة بني هاشم, نموذجا خاصا, ومختلفا على صعيد القبيلة الأم قريش. إمتلكت هذه العائلة صفات النبل, والخلق الرفيع, والتواضع, والسماحة, ولين العريكة. توارث أبناء هاشم هذه الصفات, وتجسدت بكمالها في أبناء عبد المطلب, جد نبي الإنسانية, محمد صلوات ربي عليه وسلامه.
كان أبو طالب من أبناء عبد المطلب, متميزا جدا في صفاته, وقد عهد إليه تربية إبن أخيه, اليتيم محمد الذي اصبح خاتما للأنبياء. أبو طالب هو الأخ الشقيق الوحيد لعبد الله, والد النبي صلوات ربي عليه, ونظرا لوفاة عبد الله عليه السلام المبكرة من ولادة النبي, أخذ أبي طالب تعويض اليتيم محمد عن أبيه. لقد آثر أبو طالب محمداً على بنيه, وجعله في موقع من الحفاوة والمنزلة العظمى, مما ملأ بطون الكتب حديثا عنها.
الحفاوة التي حظي بها محمد صلوات ربي عليه, من قبل أبي طالب, لم تكن من فراغ, فأبو طالب كان من الأوصياء, وهو من الموحدين على دين الحنفية, وكان يتعبد في غار حراء, ويوزع الطعام على الفقراء والمساكين, وكان على علم ودراية بأن لمحمد شأنا لا يعلوه شأنا, وكما قلنا لكونه وصي, فقد رعى محمد بتربية دينية خالصة.
إستمرت رعاية أبي طالب لإبن أخيه, وترسخ هذا الدور أكثر بعد بعثة النبي, برسالة الأسلام. جاء الإسلام دينا تغييريا, منتفضا على كل قيم الجاهلية المتخلفة, وبدأ بتحرير الإنسان من العبودية, وجعل الناس سواسية, وأرسى الدين الجديد, دعائم المجتمع المنفتح, والمتناغم بكل فئاته, فلا سيد ولا مسود في رؤية الإسلام, وكانت قاعدة التفاضل, وفق الضابطة الإسلامية الجديدة "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
هذه المفاهيم الإنسانية الراقية الجديدة, لم ترق لعبدة الأصنام, أو ما كانوا يُعرفون بسادات قريش, فأخذوا يحوكون الدسائس والمؤامرات, بقيادة أبي سفيان وأبي جهل للتنكيل بنبي الإسلام الجديد.
هنا وقف أبي طالب عليه السلام, مواسيا بنفسه وببنيه, لحماية النبي ودينه. وحينما إجتمع القريشيون في دار الندوة, للوصول إلى حل, لثني محمد صلوات ربي عليه عن دينه الجديد, أرسلوا لأبي طالب, وأخبروه بإستعدادهم لأعطاء أي شئ للنبي, مقابل تركه دعوته.
أبو طالب كان يعلم ويؤمن بدعوة محمد, ولكن أراد أن يثبت لقريش, أن هذا الدين وراءه رجال أشداء, لا يخافون في الحق لومة لائم, عليه ذهب لمحادثة إبن أخيه فاجابه النبي " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني, والقمر في شمالي, على أن أترك هذا الأمر ما تركته...".
هنا أستبشر أبو طالب عليه السلام وأنشد يقول:
واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهمْ حتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا
فاصدَعْ بأمرِك ما عليكَ غَضاضة ٌ وأبشِرْ بذاكَ، وقرَّ منهُ عُيونا
ودَعَوْتَني، وزَعمتَ أنك ناصحٌ ولقد صدقْتَ، وكنتَ ثَمَّ أَمينا
وعَرضْتَ دِيناً قد علمتُ بأنَّهُ مِن خيرِ أديانِ البريَّة ِ دِينا
لولا المَلامة ُ أو حِذاري سُبَّة ً لوجَدْتني سَمحاً بذاك مُبِينا
إن كتمان أبي طالب لإسلامه, لم يكن إلا جزءا من مشروع الثورة التغييرية, وكان من خلال هذا الكتمان, سدا منيعا لحماية الدين.
https://telegram.me/buratha