الجغرافية كانت عصية على جميع محاولات الوحدة الوطنية, فرضت نفسها حتى على شكل الهوية, قسمتها بحسب اهوائها الشخصية, واهملت كل الاواصر الثقافية التي كانت متلاحمة, بحكم التاريخ والحضارات التي سادت المنطقة, هذه الثقافات التي انطلقت من هذه الجغرافية لتحكم العالم الا المكان الذي انطلقت منه, لأنه كان عصياً حتى على الذي خلق من ترابة, ولا يسمح بطمس الهويات الفرعية أو اندماجها بسهولة, بل بقي محافظاً على مكانة هوياته الفرعية التي فرضتها هذا الجغرافية على حساب الهوية الوطنية .
قد لا يقتنع البعض بنظرية المؤامرة, التي تعرض لها العراق, وكل منا يحتفظ بخارطة مؤامرة خاصة في ذهنه, الا أن العملية الاخيرة التي قادتها القوات الامنية, وبإسناد كبير من قبل ابناء الحشد الشعبي في صلاح الدين, قد برهنت للعديد بأن الدمى التي تتحرك على المسرح بخيوط لا مرئية وبأيادي خفية, قد تحولت في النهاية الى أدوات لعبة مرئية وواضحة المعالم, فالانتصارات التي تحققت على ارض الواقع, قد حركت هذه الاذرع ألتي دائماً ما تحاول أن تضرب في عمق الانتصار, أول هذه الاذرع هو الجنرال المتقاعد ديفيد بيترايوس عندما صرح قائلاً :
(أن المليشيات تمثل الخطر الاكبر على استقرار العراق على المدى الطويل وليس تنظيم داعش, متهماً اياها بقتل عناصر التنظيم والمدنيين على حدً سواء ), وهو اللاعب الدولي الاساسي في المنطقة, ومن قبلة الازهر المصري الذي أتهم الحشد الشعبي بالقيام بعمليات قتل وتطهير لأهل السنة متناسياً ما قامت به هذا العصابات ضد العراقيين, وهو المحرك الديني الاقليمي المؤثر في الساحة, وقد ظهرت بوادر الطعن الداخلي بهذه العمليات الوطنية, بعدما أنتقد مسرور برزاني الحكومة العراقية لاعتمادها على ابناء الحشد الشعبي لما له من تأثيرات طائفية على البلد .
كل هذه المحركات تؤكد, بأن العراق هو الاقليم الوحيد الذي يتعرض الى اكبر غزوة في تاريخ البشرية الحديثة, والذي اختير لكي يكون, منطلقاً ومركزاً لحكم هذا القطعان الهمجية, التي لا عمل لها سوى استباحة دماء الابرياء, الذين اصبحوا فريسةً سهلة, بسبب المشاكل الطائفية والعرقية التي فرضتها الجغرافية .
هذه المسالة لاتحل, سوى بالأيمان بالوحدة الوطنية, والتوحد ضد هذا العدوان, وان نؤسس لجغرافية جديدة, عابرة للأثنية, وطريقها قد عبدته دماء الشهداء الذين سقطوا ويسقطوا يومياً من أجل الدفاع عن وحدة الوطن, والتي طالما كانت سبباً في العديد من مشاكلنا والمأسي التي مررنا بها, ولا يمكن الخلاص منها ما لم نجعلها السبب الوحيد الذي يجب ان نصر عليه من أجل بقاء وحدتنا, وعدم الانجرار وراء الاصوات النشاز التي تريد تحويل مسار السفينة لصالح كفة الاستراتيجيات الخارجية .
https://telegram.me/buratha