علمتنا "داعش" ان الخلافات الوطنية عندما تتسع وتبدأ بتمزيق المشتركات، فان الخسارة ستعم الجميع. فاحترام مصالح الاخرين وهوياتهم ليس تنازلاً يمنحه طرف للاطراف الاخرى، بل هو المسار الحقيقي والاكثر جدية لحماية مصالحه الخاصة. فاذا كانت مشاكل التوازن والمشاركة والمناطق المتنازع عليها والخلافات النفطية والعلاقات الخارجية مشاكل جدية اليوم.. فانها قد تتطور لمشاكل اخطر واعنف مع حلول انفرادية مستقبلية غداً.. واذا كانت حلول المستقبل اكثر ايلاماً من حلول الحاضر الدستورية (به او بتعديلاته).. واذا ما زال في الحاضر شيء من الاغراء والمنفعة، لايجاد القواسم ومقومات العيش المشترك، فان الاصلاح او الانقاذ يتطلب خطوات، قد تبدو مستحيلة، لكنها تاريخية لاعادة بناء الثقة المطلوبة.. فلا يطالب طرف بشيء ويمتنع عن فهم متطلبات الاخرين. وان توافق الثلاثة هو اساس لاتفاق بقية الاطراف والمكونات.
ان لا يلجأ الشيعة لاعتبار الاغلبية السكانية وسيلة لفرض الهيمنة والسيطرة على حساب الاخرين.. فالديمقراطية ضمانة لحقوق الاغلبيات والاقليات على حد سواء.. وان منح الثقة للاخرين، ستعزز مصالحهم ولا تعني اطلاقاً تخليهم عنها.. وان يكونوا اول من يمنع استغلال السلطة لانفسهم دون غيرهم.. وان لا يفهموا تعبير الاخرين عن مطامحهم وذواتهم مؤامرة تتطلب التصعيد والحملات الاعلامية.
ان لا تبقى الجغرافيا موضوعة احادية للكرد، بل واجبهم تفعيل مفهوم المصالح ايضاً.. فيروا مصلحتهم في العراق كله وليس في كردستان فقط.. ليرى العراقيون كافة ان لهم ايضاً مصالح في كردستان.. وان يتحركوا في الحقوق القومية في الاتجاهين.. فللكرد وجهة نظرهم في موضوعة المناطق المتنازعة والنفط وتوزيع الموارد، الخ.. لكن للاخرين وجهات نظر ايضاً.. والاختلاف هنا ليس مؤامرة او شوفينية، الا عند العناد امام حقائق يقر بها اي منطق غير متعصب.. وان لا حل عسكري او قسري او فرض امر واقع، لا من هذا الطرف ولا من ذاك.
ان يتجاوز السنة الطروحات التاريخية بانهم فقط الحكام والاخرون رعايا.. فالعراق المركزي بات ضرراً عليهم ايضاً. وان ينظروا للمستقبل ويستثمروا امتداداتهم الاقليمية ودورهم الكبير في تاريخ العراق، بما يحقق المصالح العليا لهم ولغيرهم. وان لا يسمحوا للارهاب ان يخترق مناطقهم واهاليهم، فهم المتضررون الاساس من نجاحاته، لا سمح الله.
ان العقائد القومية والدينية والمذهبية يجب ان تحرك مفاهيم التواصل والوحدة والعمل والعيش المشترك، فهي انسانية بالضرورة، والا فهي باطلة.. فالهوية الخاصة ستبقى متوترة مع ذاتها، ليس لان للاخرين هوياتهم ايضاً.. بل لانها دفعت فهمها لهويتها في طريق مسدود، انكفائي، دمر او يدمر مشتركاته مع الاخرين. فالعقائد يجب ان تستثمر التاريخ، كلما امكن، لبناء الحاضر والمستقبل، وليس لاثارة الاحقاد.. وعليها الاستنجاد بالمستقبل وافاقه لاصلاح وتقويم ما خربه التاريخ، ولبناء مشتركات جديدة يرى فيها الجميع مصالحه.. فللعقائد مساحات يجب ان تلتقي لا ان تتصادم، لتكون حلقات ترفد بعضها بعضاً، لتاسيس دولة كريمة، يجد فيه المواطن بغض النظر عن هويته العدل والمساواة والحقوق الخاصة والعامة.
عادل عبدالمهدي
https://telegram.me/buratha