رغم ما صنعه الاجتياح الامريكي للعراق , والذي امسى نقطة فاصلة في تاريخ العراق الحديث واصبح فيه نظام صدام الطاغية وحزبه ورجالاته في خبر كان , فإن من ابرز مايتذكره العالم هو اداء الاعلام الصدامي الذي توج اكاذيبه الحالمة باصطلاح العلوج الذي ارتبط بوزير الاعلام الصحاف والذي كان يصف الانتصارات العراقية بلا اي خسائر .
ووصل الامر بالقوات الامريكية انها (من باب السخرية ) لم تفكر حتى بوضع اسم الصحاف ضمن المطلوبين في قائمة ال55 الشهيرة , بل ان الصحاف الذي سكن في منزل في شارع فلسطين بانتظار اعتقاله , ولما لم يطرق بابه احد سلم نفسه اليهم فاخبروه ببرود انت غير مسجل كمطلوب لدينا وطردوه ليسافر الى ذاكرة النسيان .
وهاهي مؤسساتنا الاعلامية تعود من جديد الى ارث الصحاف والاعلام الساذج الذي لايؤدي الا الى نتائج عكسية ,وحين نذكر مؤسساتنا الاعلامية فاننا نقصد الاعلام الرسمي والحكومي واعلام الاحزاب والحركات والتنظيمات السياسية الفاعلة, ولانقصد القنوات ووسائل الاعلام الصفراء التي تسعى عمدا الى ضرب النسيج العراقي والناقمة على كل مسميات عراق مابعد صدام والتي تنفذ اجندات مخابراتية اقليمية ودولية ,رغم مسمياتها العراقية .
نحن نعيش معركة صعبة ومعقدة ضد اشرس عدو عرفه التاريخ الا وهو الارهاب, ونحتاج الى حشد كافة الطاقات لمعارك مصيرية فرضت على شعبنا , ومما لاشك فيه فان الاعلام هو في صميم الاسلحة الفتاكة في تلك الحرب , الا ان اعلامنا للاسف كان دون المستوى المطلوب بكثير , بل انه كان ذو مردودات عكسية في المعركة , وحين يصل الى هذا المستوى المتدني يفقد مصداقيته ويصبح مثاراً للسخرية والتندر .
.................................
داعش ذئاب ام جرذان !!؟
...............................
فكثيرا ما كان اعلامنا يركز على اخبار متشابهة وهزيلة من نوع (القت قواتنا القبض على امير من تنظيم القاعدة , او وزير من وزرائها) ولو انك عددت امثال هذه الاخبار طيلة عشرة سنوات لأحصيت الاف الامراء بشكل مثير للسخرية , وكانت لتلك الاخبار نتائج عكسية تمثلت بعزوف الكثير من العراقيين عن سماع نشرات الاخبار الحكومية او الحزبية المحلية .
لقد عمد الاعلام العراقي لاسيما الاعلام الحربي منه ,في معظم حالاته , الى اعتماد اسلوب من الكذب وتهويل الانتصارات وتصوير العدو على انه نفر محدود من الجبناء الجرذان ..الخ من الصفات التي لايفهم المتلقي منها كيف يكون الارهابيون جرذاناً ؟, واي جرذ هذا الذي يلتهم ثلث مساحة العراق ؟, وماذا كان ليفعل لو كان ذئباً او اسداً او فيلاً ؟؟!!!.
ان الانتقاص الاعلامي الموجه من قوة وعدة وعديد العدو , وابرازه ككيان مهلهل ضعيف يوقع المتلقي في ارتباك لايفهم معه جدوى القلق والاهتمام بمحاربة هكذا عدو , وكيف تكون مثل هكذا معركة مصيرية ؟, وهو امر التفتت له الادارة الامريكية في معاركها العسكرية والسياسية والاقتصادية , فكانت حين تريد محاربة ايران اقتصاديا وتهديدها عسكرياً تقوم بتهيئة الاجواء الاعلامية لجعل ايران بعبعاً نوويا خطيرا مما يوفر للادارة الامريكية الحشد السياسي والاقتصادي الدولي والراي العام الداخلي لجعله يحتشد وراء قرارات الادارة الامريكية ضد ايران , وكذا كان الفعل الاعلامي الامريكي الداخلي والدولي قبيل اجتياح العراق , حيث كانت البروبغندا الاعلامية تضخم في ذهن المستمعين والقراء قوة اسلحة الدمار الشامل العراقية , مما سهل عليها انشاء تحالف دولي واسع ضد نظام صدام , وهاهي اسرائيل اللقيطة في اعلامها تفعل ذات الفعل , فلا يفكر احد في التلفزيون الاسرائيلي باعتبار عدوهم (رجال حزب الله) جبناء وغير خطرين وجرذان, وهو الفخ الذي وقع فيه اعلامنا العراقي بالعموم بطريقة تقلل من قيمة شهدائنا الابطال الذين لايواجهون جرذاناً وانما يقاتلون ارهابيين محترفين مدربين ,ومستذئبين لايرحمون ويحملون فكرا خطرا بعيدا عن قيم الانسانية .
..........................
جيش بلا خسائر
…………………………….
الجانب الاخر في اعلامنا العراقي والذي بات يثير الدهشة , هو التعمية على الحقائق سواء كان الامر في الخسائر البشرية او المادية لقواتنا , مما اوقع المتلقي العراقي في ارباك مضحك مبكي , فحين يصمت اعلامنا عن ذكر اية خسائر مادية في المعدات , ويغفل عن ادنى شيء حتى لو كان زجاج نافذة سيارة همر , يعود ويفاجيء المستمع باخبار عن هجوم ارهابي على مصفى بيجي بالدبابات والهمرات وان قواتنا اعطبتها , دون ان يطرف جفن اي احد من المشرفين على الاعلام عن الاستهتار بعقل المواطن , الذي لم يخبره احد ان تلك الدبابات والهمرات هي غنائم استولى عليها الارهابيون في الموصل والانبار وصلاح الدين وتكتم عنها الاعلام باجمعه , رغم ان القاصي والداني يعلم ان داعش استولت في الموصل وحدها على قرابة ال2400 همر عسكرية .
اما في جانب الارواح البشرية , فان اعلامنا (وفق خطط ساذجة) لم يعترف بسقوط شهداء ابطال في سوح الوغى , رغم ان اي مواطن يمر في اية محافظة , تصطدم عيناه بالمئات من لافتات عزاء الشهداء الابطال الذين قاتلوا وصمدوا , دون اي ذكر رسمي لهم ولاسمائهم واعدادهم بحجة ان مثل هكذا حديث يهبِّط المعنويات, ونذكر هنا حديثا متلفزاً للمقبور صدام قال فيه مانصه : (قدموا لي يوما ما في معركة ايران البيان العسكري وكان فيه شهيد واحد للقواطع كافة , فقلت لهم من سيصدق ان جبهة تزيد على الالف كم فيها شهيد واحد , ورغم تاكيد القيادة ان الخبر صحيح الا انني اجبرتهم ان يجعلوه عشرة شهداء كي لاتضحك علينا الناس!!!!).
والكل يعرف كيف كان للتكتم على شهداء مجزرة سبايكر من ردود افعال خطيرة , حيث كشف العدد اهالي الشهداء وليس اعلامنا الذي تأخر ,بل وتورط في نشر نفي من عدة جهات رسمية قبل ان تكشف المجزرة الفضيحة, وهو عمل اعلامي مربك خالف كل مصاديق الاعلام في العالم , حيث تصارح الدول شعبها بالحقائق كي تستثير همته في التحشد , وحسناً فعلت المرجعية الدينية حين نبهت للخطر واعلنت الجهاد الكفائي كناقوس دق للخطر المحدق على العراق.
........................................
اذا قسمتم الشهداء ...تقسمون الوطن
............................................
ان من اخطر الظواهر التي باتت تربك المواطن العراقي , هو نزوع بعض الجهات الى تقسيم الشهداء وتمييزهم عن بعضهم البعض , بل وتقسيم الانتصارات وجعلها انتصارات فئوية وحزبية بعيدة عن راية العراق ,فنرى هنالك تنافساً وتزاحماً في ذكر انتصارات ما واغفال سواها ضد الارهابيين , او في تجيير مناطق الجبهات على فئات دون سواها , ويبرز ذلك بشكل فج في القنوات الحزبية حيث يركز كل حزب على فئته وانتصاراتها , وان جماعته هي من حرر المنطقة الفلانية قبل الجماعة الفلانية , ورفع اعلام غير موحدة في قواطع الجبهات في منظر مربك جعل يافطات الشهداء عبارة عن دعايات حزبية يختفي فيها احياناً حتى علم العراق, بل وصل الامر الى تأليف اناشيد تتغنى بقادة ميدانيين وسرايا مقاتلة !!!!, ووصلت المفارقة الى ان ترتفع صورة ضخمة امام مبنى وزارة الداخلية (الجهة الوحيدة مع وزارة الدفاع المخولة بحمل السلاح)لاحد قادة الفصائل المسلحة وهو يحمل سلاحاً .
ان مثل هذه الصور المقطعة تجعلنا نقطع اوصال شهدائنا ونضيّق القضايا والقيم التي استشهدوا من اجلها , فيما ان علينا ان نوحد همومنا وانكساراتنا وشهدائنا وانتصاراتنا من خلال توحيد الهدف تحت راية العراق ,وهو الامر الذي فعلته (للاسف داعش) فما من عملية ارهابية في مشارق الارض ومغاربها الا وترى في خلفيتها الاعلامية علم واحد موحد تذوب تحته عشرات الاتجاهات والتنظيمات بصورة تجعل المتلقي مندهشا من سطوة هذا التنظيم الارهابي ونفوذه, فاذا ذبح في ليبيا فتحت راية داعش , واذا ضرب في فرنسا فتحت نفس الراية , والمفارقة ان داعش فيه من كل الاجناس والجنسيات فيما نحن كلنا عراقيون برايات لاحصر لها , في مصداق صاعق لقول الامام علي عليه السلام ( توحدوا على الباطل وتفرقتم على الحق) .
ان على كل الاشكال المسلحة ان ترفع راية واحدة بلا اي تمييز في صورة تعكس للعالم توحد العراقيين قلبا واحدا في حماية وطنهم من دنس ذئاب لا ترحم , اما اذا اصررنا على تقسيم شهدائنا الى ملل , ففي ذلك تقسيم للوطن لامحالة
...................................
امن قواتنا في مهب الريح
.......................................
من الاخطاء القاتلة في اعلامنا العراقي هو الانفلات باجتهادات شخصية دون حساب للمخاطر , فالكثير من الاسرار العسكرية تتبعثر امام انظار الارهابيين عبر اخبار المعارك , بل ان هنالك معارك افتقدنا فيها عنصر المفاجأة , وفي اخرى كانت التحركات العسكرية وتحريك القطعات يعلن عنه من خلال وسائل الاعلام دون تحسب للمخاطر , حتى ان احد القادة العسكريين الميدانيين أصيب بعد نصف ساعة من حديث مباشر في ميدان القتال , حيث كمن الارهابيون له في طريق العودة الى مقره وأصابوه بعبوة ناسفة مستفيدين من نقل مباشر لتصريحاته والتي كان تحديد مكانه من خلال عين الكاميرا الحمقاء لايحتاج الى مجهود كبير .
ان على القائمين على الامن العسكري ان يوازنوا بين التشديد الامني على صور المعارك والمعدات والصور العسكرية , وبين افساح المجال للاعلام ليقوم بدور رائد في نقل البطولات العراقية ووحشية العدو , وهو امر يتيح للعالم ان يتعاطف معنا في قضيتنا العادلة وفي ذات الوقت يحمي قواتنا وجنودنا من الاستهداف عبر الرصد الاعلامي للإرهابيين.
....................................
حرب نفسية من طرف واحد
...................................
ان علينا ان نعترف ان هنالك عملا احترافيا في مجال الاعلام تتمتع به داعش , وفق خبرات وتقنيات عالية في التصوير والاخراج وبث الرسائل الفيديوية المرعبة , مما جعلها تتفوق بمراحل في ريادة الاعلام الحربي وفي الحرب النفسية , بل وفي تكتيكات اكسبت الارهابيين مصداقية في اخبارهم , حتى ان هنالك جهات كثيرة في العالم تصدق بيانات داعش (وقبلها بيانات القاعدة) فحين تتبنى مسؤولية عملية ارهابية ما يصدقونها , وحين تنكر علاقتها بحدث ما يصدقونها ايضاً. اما عن اعلامنا فلا ندري حقا ان كانت لدينا حرب نفسية ام لا , فاذا كانت صور ارهابيين يتخفون بملابس نسائية , او صور جندي عراقي يتلاعب بقدمه بجثة ارهابي مقتول في تحدٍّ صارخ لامر رسولنا عليه افضل الصلاة والسلام (المثلة حرام ولو بالكلب العقور), واذا كان الحديث عن انتصارات بلا اية خسائر بشرية او مادية , وتبرير عدم وجود اسرى من داعش بعبارات سوقية من قبيل (تم الدعس) ..اذا كانت هذه هي حربنا النفسية فهي طامة كبرى تتطلب منا ان نعيد حساباتنا بمصير مصداقية الاعلام الذي لايمكن ان يقود معركة شرسة بالهوسات الشعبية وبجيش بلا خسائر وبطائرات لاتسقط , ويحارب جرذان جبانة , وفي ذات الوقت نطالب العالم بمساندتنا بطائرات ودبابات ومدرعات وصواريخ وهو امر لا يستقيم معه منطق وعقل.
https://telegram.me/buratha