الفضائيون مصطلح حديث لم يكن موجودا في أدبيات ويوميات العمل الحكومي في السنوات السابقة انما هو مصطلح حديث أوجدته حالة الفوضى وسوء الإدارة وانعدام الأخلاق وغياب الرادع القانوني،واذا ما اريد ايجاد وصف جزئي له فيمكن ان يقال عنه انه اشبه بالبطالة المقنعة في الازمنة التي سبقت عام 2003 لكن هذا التشبيه لا يغطي المعنى الحرفي لتسمية الفضائيين التي تعتبر اعم وأوسع لانها تشمل كل انواع الفساد المالي والاداري والاخلاقي.
ومصطلح الفضائيين والتحذير منه لم يكن وليد اعلان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عن وجود اكثر من 50 الف درجة وظيفية وهمية في المؤسسة العسكرية،يتقاضى عنها القادة والامراء رواتب مليونية بصورة شهرية مضمونة،انما ظهر هذا الوباء وانتشر تحديدا في الدورة الثانية لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي ،وكان امر الفضائيين معروفا للجميع حتى ان ما كتب عن الفضائيين وعن الجهات التي تقف ورائهم وأعدادهم غطى كل العناوين والمواقع الا ان الارادة لم تكن متوفرة في التخلص منهم فبقي الفضائيون يستنزفون امكانيات العراق المادية والمالية حتى تذهب هذه الاموال الى خزائن القادة المرتبطين ارتباطا مباشرا بسلسلة خيطية مع مكتب القائد العام للقوات المسلحة ومكاتب الوزارات الاخرى.
ومع إعلان رئيس الحكومة ألعبادي عن تفشي حالة الوظائف الوهمية في مؤسسات الدولة بات لزاما على الحكومة وعلى المؤسسات المعنية محاربة هذا السرطان الخطير دون التوقف عند حساب الارقام ودون تاخير طالما ان مقدمات الحرب على هذا الوباء قد بدات بالاعلان وبوقف الرواتب في المؤسسة العسكرية.
ومسالة محاربة الفضائيين واجتثاثهم مسالة مهمة ويجب ان تبدا من الان لان منح الوقت لن يعطي انطباعا جيدا عن جدية الحكومة في المعالجة الواقعية لهذا المرض الانتقالي،وقبل المعالجة نحتاج الى قاعدة بيانات صحيحة لكل وزارات الدولة والهيئات والمؤسسات الاخرى حتى تبدا الخطوات الفعلية لاجتثاث سرطان الفضائيين،ويجب على الدولة والمؤسسة القضائية ان تكون صارمة في اجرائاتها وان تضع القوانين الشديدة التي تمنع معاودة ظهور هذا المريض الخبيث كما يبرز هنا دور الاعلام ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين في الوقوف الى جانب الدولة وفي تبيان خطر هذا الوباء حتى يكون الجميع بمستوى المسؤولية.
ان واجب محاربة الفساد والقضاء عليه لا تقتصر على رئيس الحكومة او على مجلس الوزراء بل تشمل كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ،كما تقع مسؤولية محاربة الفساد على رجال الدين والاعلام والتربية والاخلاق وعلى مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ،ومن المهم وضع استراتيجية بعيدة المدى تتعلق بفهم هذا المرض الخطير وكيفية الوقاية منه ومعالجته حتى تكون ثقافة سائدة لها ارتباط مباشر بثقافة المجتمع.
ان دور السيد العبادي لا يقتصر على الاعلان والكشف عن الفضائيين انما يتعدى الاعلان الى ما هو ابعد من ذلك،لكن مسالة القضاء على سرطان الفساد لن ينهيها العبادي بمفرده،بل تحتاج الى تكاتف الجميع وتحتاج الى قوانين صارمة والى وقت طويل وربما تحتاج الى دماء طاهرة،لان اقتلاع المرض لن يكون سهلا طالما انه مرض خطير ومزمن.
https://telegram.me/buratha