لو تتبع أي مؤرخ أو كاتب منصف حي الضمير يؤمن بكرامة المرأة وحقها في الحياة جنبا إلى جنب مع الرجل تأريخ المرأة العراقية لوجدها إنسانة عصامية مضحية شقت طريقها عبر طريق من الصخور والأشواك والآلام لتثبت للدنيا أنها أعطت المثل الأعلى في التضحية ونكران الذات من أجل رفعة المجتمع ورقيه. وأنها تمثل بحق المدرسة الكبرى التي رعت وأنشأت أجيالا من الرجال الذين ساروا على درب الفضيلة والاستقامة والعلم، وخدموا وطنهم بعقولهم ونفوسهم نتيجة لذلك الحضن الدافئ الذي تربوا في كنفه، والحليب النقي الذي رضعوه من تلك الأثداء الطاهره. والشواهد كثيرة وكثيرة لا يمكن حصرها. وقد أبدعت المرأة العراقية في كافة المجالات الثقافية والعلمية والرياضية والفنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من شؤون الحياة المختلفة رغم كل الظروف الصعبة التي أحاطت بها .
ولولا الأم العراقية وصبرها وتضحياتها وسهرها ورعايتها لضاعت الكثير من الأجيال في متاهات الحياة وجرفتها سيول الشر، وعاشت في دهاليز الظلمة والخواء . وتحولت إلى غيوم سوداء في سماء الوطن . والفضل يعدود للأم العراقية العظيمة التي رعت تلك الأجيال كما يرعى الفلاح غرسه وينتظر منه أحلى الثمار وأشهاها وأطيبها فتجسد في شخصيتها قول الشاعر حافظ إبراهيم الذي قال :
الأم مدرسة أذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
أن المرأة العراقية التي عملت في المصنع والحقل والمدرسة وربت أطفالها بكل جدارة وثقة بالنفس رغم كل أساليب القهر والتهميش والاضطهاد التي تعرضت لها طيلة العهود السابقة جديرة بأن نقف أجلالا لها ونقدس دورها الإنساني الخلاق في كل حين .
لقد مرت على المرأة العراقية أعواما طويلة من الحروب والحصار وفقدت الأبناء والأخوة والزوج وهي في عز شبابها ولم تتراجع عن دورها الفاعل في اجتياز الصعاب وتذليلها رغم ثقلها وفواجعها التي كانت أكبر بكثير من أن يتحملها أقوى الرجال شجاعة وعزما وإرادة . فتحملت المسؤولية الكبرى بشرف ، وأدت رسالتها على خير ما يرام فكانت بحق منار أشعاع ، وينبوع حنان، ومصدر توجيه واستقامة وإرشاد.وقد ضربت أروع الأمثلة في العزة والكرامة والشرف واحتفظت بكل قيم الأمومة الحقه. وكلما كانت تشتد عليها المحن والصعاب كانت تزداد تألقا وتضحية وإيثارا وقوة وصلابة وثباتا .
لقد هجر النظام الصدامي الدكتاتوري الآلاف المؤلفة من نساء العراق ووضعهن في شاحنات لاتصلح حتى للحيوانات وفي عز الشتاء لتسفيرهن خارج الحدود بحجة ( التبعية الإيرانية ) السيئ الصيت ، والمخالف لأبسط الحقوق الإنسانية وهن لايملكن من حطام الدنيا شيئا . ومن عاش تلك الفترة السوداء يدرك أبعادها المأساوية وتأثيرها المباشر على المرأة العراقية . واليوم تتعرض لأساليب القهر الداعشي الذي فاق في وحشيته ضد المرأة أشد العصور حلكة.
ولا أريد أن أدخل في الأرقام المخيفة التي ترصد حالات إنتهاك حقوق المرأة في العراق لكن يمكنني القول إن مناهضة العنف ضدها أصبح من الأولويات التي يجب تسليط الضوء عليها في المدارس والمنتديات الثقافية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني .واختلاف الأديان والمذاهب لا يعطي الحق لأي شحص بيع النساء, أو تعنيفهن, أو ممارسة التسلط بحقهن.وقد كرم القرآن الكريم المرأة وأوصى نبي الإسلام محمد ص بها خيرا . وعرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 1993، بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة، بدنياً أو نفسياً أو جنسياً للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، في الحياة العامة أو الخاصة.ولا أريد أن أعدد الإنتهاكات الكثيرة التي تتعرض لها المرأة العراقية وأسبابها لأن ذلك يتطلب مني بحثا طويلا .
إن الأوضاع الأمنية الخطيرة التي يشهدها العراق نتيجة الغزو الداعشي الهمجي الذي طال المرأة العراقية ، وانتهك حقوقها الإنسانية هو وصمة عار على جبين العالم برمته إذا لم يقف وقفة جادة صارمة بوجه هذا الظلام الزاحف الذي هو أخطر وباء يهدد البشرية.
جعفر المهاجر / السويد
27/11/2014م
https://telegram.me/buratha