لايمكن التقليل من شأن هول الكارثة التي حلت بالعراق يوم حدثت نكسة العاشر من حزيران إثر إحتلال داعش لأجزاء واسعة من أرض العراق الغالية وتدنيسها، وآرتكاب المجازر والفضائع التي تقشعر منها الأبدان في هذه الأرض الطيبة. وقد كان للحدث الجلل وقع كوقع الصاعقة على مسامع الشعب العراقي. وأدمى قلب كل عراقي شريف يحب وطنه ولا يرضى عنه بديلا، ويتمنى أن يكون سالما معافى تعيش فيه جميع القوميات والمذاهب بسلام ووئام ،وتتأجج في قلبه وروحه الغيرة والحمية عليه حين يتعرض لخطر. فكيف يكون حاله وهو يرى هذه القطعان الدموية تغزو أرضه، وتسفك الدماء ،وترتكب فيها كل فعل محرم، وتأمر الجميع بأن يكونوا عبيدا أذلاء تحت سطوتها الدموية ؟ ولابد أن تعرض الحقائق للشعب ويحال كل من تسبب في تداعيات هذه الكارثة الوطنية الكبرى، وكل من تجاوز على حقوق المشردين من هذه الهجمة البربرية مهما كان موقعه من الدولة لمحكمة نزيهة بعيدة عن كل تأثير سياسي ليمثل أمامها صاغرا وينال جزاءه العادل.
ولا أريد أن أفتح كل تلك الصفحات السوداء من التآمر الخارجي المحموم الذي خططت له قوى معادية للعراق منذ أكثر من عشرة أعوام. والتواطؤ والخيانة من جهات داخلية فقدت إمتيازاتها الخيالية تحت تسلط الفرد المستبد والتي تناغمت مع تلك المخططات المعادية وآصطفت معها غير هيابة ولا وجلة من فعلها الذي ألحق أفدح الأضرار بالوطن. ونتيجة لضعف الحكومة العراقية، وعدم إستعدادها لمواجهة المخاطر نتيجة للفساد المستشري في كل مفاصل الدولة ومنها المؤسسة العسكرية التي تمثل سور الوطن وقلبه النابض. وصراعات السياسيين الطويلة المريرة التي تميزت بضيق الأفق ، وإهدار الوقت والمال على مذبح شهواتهم الشخصية، وتفضيلهم الإنتماء العشائري والحزبي والمناطقي على الإنتماء للوطن الذي هو خيمة الجميع .فآعتبروه بسلوكهم كغنيمة يجب أن يتقاسموها فيما بينهم.وتركوا الشعب يعاني الأمرين من مهاتراتهم التي تصاعدت بمرور الأيام حتى صار حال الشعب كالذي قال:
يداوينا الطبيب إذا مرضنا- فكيف بنا إذا مرض الطبيب؟
كل هذه العوامل وغيرها أكلت الكثير من جرف العراق، وأضعفته إلى حد كبير أمام التحديات الكبرى التي واجهها. وحين يجد العدو المتربص بالوطن الذي يتلقى الدعم الكبير من المال والإعلام والسلاح من يتحمل مسؤولية قيادة الوطن في هذا الخضم من الفوضى والصراع يغتنم فرصته الذهبية للإنقضاض وهذا ما حدث . فحلت الكارثة ووقع الفاس بالراس كما يعبر المثل الشعبي . ولولا مسارعة المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف وإصدارها أمر الجهاد الكفائي لجميع العراقيين على إختلاف قومياتهم ومذاهبهم لصد هذا الغزو البربري الذي هدد الجميع لكانت الكارثة أمر وأقسى. ولا يمكن أن يلام الجندي العراقي على هذا لأنه معروف بشجاعته ، وآقتحامه للصعاب إذا ماأعد إعدادا جيدا،وتلقى الدعم المادي والمعنوي الذي يستحقه من دولته وهو يضحي بروحه فداء للوطن. والجود بالنفس أقصى غاية الجود.وإذا رأى قادته قدوة له في النزاهة والكفاءة والإخلاص والمهنية والإستعداد المستمر للذود عن الوطن فتظهر شجاعته في ساحات القتال بأعلى صورها . أما إذا كانت الرؤوس فاسدة فالجندي يصبح مقيد اليدين والإرادة.
ولا يمكن لبلد حضاري كالعراق فيه من الموارد المالية الهائلة،والقوى البشرية الخلاقة التي بإمكانها صنع المعجزات وصد هذا العدوان البربري المغولي إذا ماتوحدت تحت قيادة وطنية نزيهة نابعة من صميم الشعب،همها الأول والأخير الحرص على كيان الوطن،وتخليصه من أمراضه، والدفاع عنه بإخلاص أمام الخطوب ، وعدم ترك هذه القطعان الضالة تعيث فسادا في أرض الحضارات والمقدسات وتهتك الحرمات ، وتزرع الرعب بين المدنيين دون ثمن باهض تدفعه على سواعد العراقيين الأباة الذين عركتهم المحن ، وجربهم تأريخ العراق الحافل بالثورات التي قاموا بها ضد كل دخيل عن قيمهم وأخلاقهم وسيرتهم ، ويبغي فرض أجندته الظلامية عليهم بقوة النار والحديد.
ولابد أن يهبوا عن بكرة أبيهم ليأخذوا بثأر النساء اللواتي سبين ، والأطفال الأيتام والشيوخ المشردين والذين مات الكثير منهم في الصحاري والطرق الوعرة والمخيمات التي لجأوا إليها وهم في أشد حالات الرعب من قبل هؤلاء الأنذال الشقاة. ولابد أن تحل ساعة الحساب العسير وتتحول أرض العراق المقدسة إلى جحيم تبيد قطعان هذا الغزو الداعشي المجرم التي لايردعها دين ولا تمتلك أدنى خلق إنساني. وهاهي بوادر هذا الإنتصار قد بدأت تلوح في الأفق بعد أن وضعت السلطة الجديدة يدها على مكامن الضعف التي رافقت المرحلة السابقة وبادرت بإصلاح بعض جوانبها. وكلما كانت السلطة قوية منسجمة نزيهة لامكان للمفسدين والوصوليين بين أفرادها كلما كانت عوامل المنعة والنهوض تدب في شرايين الوطن، ويحسب له الأعداء ألف حساب قبل إيذائه.
https://telegram.me/buratha