عندما تراجع الأمم تاريخها، وتستنطق هذا التاريخ يمكنها أن تستمد من بعض النقاط المضيئة، منطلقات لحاضرها ومستقبلها، هذا مع التاريخ العميق البعيد للأمم، أما أذا كان هذا التاريخ استمرار للحاضر، فألامر يكون أولى ليسخر لخدمة الحاضر.
الأغلبية الشيعية بعد تغيير النظام الديكتاتوري، وانطلاق العملية السياسية، دخلت للعملية موحدة تحت عنوان، الائتلاف الوطني العراقي الموحد، واستطاعت أن تحقق من خلال وحدتها، الكثير من الأمور لهذه الأغلبية، منها كتابة الدستور الذي يعد الأفضل في المنطقة، برغم ما فيه وما عليه من الملاحظات، وأيضا إقرار عدد من القوانين، لتعويض مظلومية عقود من الزمن لهذه الأغلبية.
فضلا عن تصدي الائتلاف الوطني في حينه، لقيادة العملية السياسية، وتحقيق نسبة مشاركة على المستوى الوطني، أسست لإمكانية تحقيق استقرار سياسي في البلد، إضافة لتفعيل التحالف الاستراتيجي مع الكورد، شركاء التضحية والدماء، الأمر الذي ساهم بشكل كبير، في كل الانجازات التي تحققت في العراق الجديد.
لكن بعد انهيار الائتلاف الوطني، وتشكيل قائمتين على أنقاضه، اجتمعتا بعد ذلك لتشكيل التحالف الوطني، شهدت العملية السياسية برمتها عملية تراجع كبير، احد أسبابه ضعف التحالف الوطني، الذي أنتج غياب قوة الأغلبية وتشرذمها.
اليوم بعد أن دبت الروح بالتحالف، نسبيا وتمكن من إعادة دوره، وتشكيل حكومة حظيت بقبول وترحيب محلي وإقليمي ودولي، لم يسبق له نظير، يقف التحالف الوطني على مفترق طرق، ليقارن أيام الائتلاف الوطني الذي كان قائد للعملية السياسية برمتها، ويستحضر أيام الضعف والغياب للأغلبية، في ظل التحالف الوطني كأسم فقط، ويعيش مرحلة قوة وحدة التحالف، ويلمس نتائج هذه القوة في الحكومة الحالية.
مما يفرض على التحالف أن يختار الطريق الأفضل، لمسيرته ومستقبل جمهوره، الذي يمثل أغلبية الشعب العراقي، ذلك من خلال استغلال الوهج، الذي عليه اليوم، ووضع نظام داخلي ملزم لجميع مكوناته.
أيضا اختيار رئاسة تمتلك قوة وتأثير، داخل التحالف نفسه، وعليها إجماع بين مكوناته، وكذا تحظى بمقبولية بين مكونات الطيف العراقي الأخرى، فضلا عن الأثر والتأثير الإقليمي والدولي، عند ذلك يمكن للتحالف أن يؤسس لمرحلة جديدة، على مستوى الأغلبية، وعلى مستوى البلد، مرحلة يمكن معها بناء عراق جديد، تتعايش فيه جميع أطياف الشعب العراقي، ويحصل كل منها على استحقاقه، ومغادرة مرحلة التغييب والتهميش، التي عانت منها كل المكونات، في مرحلة ضعف وانهيار التحالف.
هذا الآمر لا يحتمل التأخير، والمماطلة وإدخاله في سوق المزايدات السياسية، والتنافس الحزبي الذي اثبت فشله في المرحلة السابقة، فلا يمكن أن تكرر نفس التجربة، فخطورة المرحلة لا تحتمل أي مماطلة أو تسويف، وأي خطأ أو خلل أو تأخير يعني الكثير، بالنسبة لوجود العراق كبلد على خارطة العالم، وأيضا يعني فقدان ألتأييد الكبير، الذي حصلت عليه حكومة التحالف الوطني الحالية، وهي فرصة صعب أن تتكرر، في ظل منطقة تتنفس حروب وإرهاب وطائفية، وعالم يعيش صراع مصالح بين أقطاب متعددة، تنتظر الأغلبية أن يستحضر التحالف الوطني، أمسه القريب ليسخره لحاضره ومستقبله...
https://telegram.me/buratha