تُعَد حركة أزمة المحرومين, من أهم العلامات الفاصلة في التأريخ السياسي المعاصر, للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أدى تطور ونمو, التأييد الشعبي عند السود في امريكا, ضد حركات الفصل العنصري, إلى تكوين قوة سياسية شعبية قوية, ضاغطة بالضد من الحكومة.
الحكمة والدهاء والحنكة, التي تميز بها قادة الولايات المتحدة, دفعتهم الى استخدام مبدأ التنازل عن المكاسب الهشة أو الرخوة , فقدموا حزمة من التنازلات لقادة التمرد, هذه التنازلات بمجملها, لا تمثل خسارة حقيقية من أي نوع, أو فلنقل أنها تمثل خسارة بسيطة للحكومة الأمريكة؛ في الوقت نفسه, هذا الأمر أوقع قادة التمرد في حيرة, فإن قبلوا بها, فقدوا ثقة جمهورهم؛ وإن رفضوها, عليهم أن يستمروا بثورة غير معلومة النهايات؛ لذلك عُرفت هذه الحركة بحسب هذا الحدث بحركة (أزمة المحرومين).
في بلدنا العراق, تنقلب الأدوار دوما, لا أعلم لماذا ينجح المستبدين دوما, في طرح أنفسهم كمظلومين, يحاولون دوما أن يضحكوا على الناس, ويتلاعبوا بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم, متسلحين بما لدى الناس من فطرة عقائدية كبيرة, يتميز به جمهورهم السياسي؛ لم أقل فطرة بشكلها المطلق, بل قصدت فطرة و(فطارية) عقائدية !!
أراد المستبدون الظالمون في العراق قيادة ثورة, ولكنها ليست كثورة السود في أمريكا, لأن هؤلاء كانوا مستضعفين, أما في العراق كانوا يمثلون رموز سلطة وتسلط وإستبداد؛ لم يلجؤا الى التفاوض عندما مثلوا دور السلطة في ثورتهم, بل لجؤوا الى التهديد والوعيد, والقيادة بنَفَس المؤامرة والدسائس, والتي غالبا ما تميز بها الحكم السياسي في العراق .
مصداق ذلك نجده واضحا, في تصريحات بعض القادة من هؤلاء (الثوار!!), فهذه مريم الريس, القيادية في دولة القانون, والمرأة القانونية التي من المفترض, أنها تمثل القانون الحامي لحقوق الناس! تعِدُ في تصريحٍ لها: بأن العراق سيغرق في (بحور من الدم!!)، على حد رغبتها؛ إذا ما تم إستبعاد المالكي عن رئاسة الوزراء! أما تصريح الرفيق علي شلاه أحد أعضاء دولة القانون, فقد مثل عمقا ديمقراطيا عجيبا, لم تألفه ديمقراطيات العالم المتحظر!! حين صرح بعد خمس دقائق من إنتهاء خطاب السيد المالكي, ليلة الخميس الفائت، والذي أعلن فيه إنسحابه لصالح رئيس الوزراء المكلف السيد حيدرالعبادي، حينما أشار علي الشلاه الى: أن هناك قادة عسكريين, كانوا يريدون حسم السلطة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بالقوة !!
ولكن مشكلة هؤلاء (الثوار!!) أنهم أرادوا التفاوض بعد ما انقلبت الأدوار؛ فتحولوا من ثوار السلطة القديمة, إلى ثوار على السلطة الجديدة, وبحسب مبادئ التفاوض بإعتبارهم سلطة, أرادوا أن يتنازلوا في تفاوضهم عن المكاسب الرخوة والهشة, فلم يجدوا أخيرا إلا المالكي كمكسب رخوٌ وهش, ليتنازلوا عنه مع السلطة, لينالوا بذلك مكاسبهم!.
لا يوجد في الوجود تقلب في الأحوال والأمزجة, كما هو موجود عند تجار السياسة!
بقلم: محمد أبو النواعير- ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha