ليس خافياً على احد من ان مايجري اليوم في العراق هو من نتائج وافرازات ما اقدمت علية الامبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية في عملية دخول العراق سنة 2003 وازالة نظام البعث الجائر وفي حل مؤسساته الامنية عمداً.. وهو جزء من مؤامرة واعادة لمفهوم ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد الان وهي ليست تسمية جديدة كما يبدو للبعض فهو مشروع قديم قدم الاهداف التوسعية للقوى الدولية ولها ابعاد جغرافية وثقافية واقتصادية واجتماعية غريبة وقد مرت بمراحل من اجل ترتيب قواعدها والهدف الاول هو طمس وتذويب المنطقة العربية والاسلامية ليكون الكيان الاسرائيلي اكثر تفوقاً اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً والاخير هو اخطر الامور والمبتغاة وما نراه اليوم في الموصل من وقائع تدمي القلوب في تهديم الاثار والاضرحة والمساجد والكنائس هو الشاهد الحي لبدء المشوار ....
ومنذ ان وطأت واشنطن اقدامها في العراق عمقت النزعة الطائفية من خلال غرس نظام المحاصصة عند تشكيل اول حكومة تمييزت بكونها تمثل الطوائف والاديان والمذاهب ووزعت المناصب على اسس تقسيم وتجزئة الوطن وتم اضعاف وتفكيك هذا البلد العريق بحضارته وتاريخه الممتد والضارب في جذور الزمن منذ مايقارب 7 الاف سنة..والذي نشاهده الان وما يتعرض له المجتمع برمته من التهجير والابعاد والقتل هو جزء مكمل لما خطط له ويوجب من الجميع الوقوف ضده والتصدي له ومحاربته وبالتالي وضع الخطط الكفيلة بهزيمته والسعي الجاد والمخلص لانهاء وجود الارهاب ومن يقف معهم والمعادين لمسيرة العملية السياسية .
لقد شوهت هذه السياسات الخاطئة وشجعت العصابات الارهابية العبث بديننا الحنيف ومحاولت تشتيت الامة الاسلامية والوحدة الوطنية لشعوبها واللحمة الانسانية التي تتميز بها بلداننا من خلال استباحة مدنها بهمجية ووحشية وعداء مفرط لابناء شعوبها على اختلاف قومياتهم واطيافهم وطوائفهم وقد اتخذت الدولة الغير اسلامية (داعش) سياسة التهجير الطائفي كوسيلة والطريق الاسهل والاقصر لنشر الكراهية بين المكونات بالتعاون مع جهات سياسية محلية متعاونة معها ومصحوبة بحملة اعلامية شرسة واسعة تروج لهذه الزمرة المجرمة وتدعمها قوى اقليمية وهو التحدي الاكبر الذي يهدد عراقنا والمنطقة والذي يحتاج فيه الى توافق اقليمي ووطني سليم لمواحهة حالة التدهورالتي خلفتها هذه الازمة ويجب ان لاتكون الشعوب ضحية للانقسامات السياسية وسرعة التوافقات السبيل الاوحد للوقوف امام هذا المد السرطاني الذي اخذ يمارس ابشع صور الانحلال والانحطاط الغير اخلاقي والبعيدة عن الانسانية وعن روح الاسلام وتعاليمه..
ان عمليات الابادة والتصفيات الحضارية والثقافية ومحو التاريخ تقف وراءها خيوط خارجية تقودها الصهيونية العالمية وبمناهج وافكار الفئة الضالة لخداع الامة بأعمالهم وافعالهم وسلوكياتهم التي يلبسونها بالاسلام والجهاد في سبيل الله والغرض الاساسي منها هي طمس الحقائق واخفاء المعالم التاريخية والحضارية الشاخصة والتي تمثل قيم المجتمع وتفتخر وتعتز بها الاجيال جيلا بعد جيل .
و ما يشهده بلدنا العراق من حرب اجرامية دموية ترتكب خلاله افضح المجازر المهولة تشمل قتل المدنيين العزل اطفالاً وشباباً وشيوخاً ونساءاً بحكم انتمائهم المذهبي والديني والقومي وهي جرائم تطهير وابادة جسدية جماعية لطمس الهوية الانسانية التي تتحلى بها ارضنا منذ عقود مضت تمارسها التيارات السلفية والظلامية والتكفيرية ضد ابناء امتنا .
ان الوقفة الوطنية الداخلية لابد منها للسياسيين وكل طبقات الشعب الاخرى مع توحيد الخطاب والرؤى لابعاد المجتمع من التمزيق والعمل باتجاه نبذ العنف واشاعة مفاهيم التسامح لاننا جميعا في مركب واحد ويجب ان يكون هدفنا حماية نسيجنا المجتمعي وغلق الثغرات بوجه الارهاب ومشاريعه الطائفية ...
لقد اعطت تجربة انتخاب رئيساً للعراق من قبل مجلس النواب درساً رائعاً لارساء النظام الفدرالي الديمقراطي لما احتوت من مشاهد رائعة واكدت حقاً بأن بلدنا رغم كل المعانات في الوقوف ضد الارهاب وكل المؤامرات التي تحاك ضده يعيش اجواء مذهلة ويعرف قيم الحرية بعيداً عن الدكتاتورية والعنصرية السياسية والمذهبية وبطريقة شفافة هزت العالم اجمع ويدل على احساس السياسيين الوطنيين الى ان العراق يحتاج الى بناء حقيقي للدولة القوية ولمواجهة حالة التدهور وعليهم الابتعاد عن الانقسامات الغير مجدية والتشرذم وتشكيل حكومة الاكثرية النيابية المتجانسة وتجاوز الخلافات بالسرعة اللازمة لان الظروف لاتتحمل اكثر من ذلك ...
كما ان على السياسيين العمل معاً من اجل تحقيق المصلحة العامة للبلد ومحاربة الارهاب والتكاتف وتوحيد المفاهيم الخطابية الوطنية الصادقة بعيداً عن اللف والدوران ولاعادة الثقة المفقودة بينهم وبين الشعب مع التحرك الحكومي لاستغلال الدعم الدولي والاقليمي لمقارعة الارهاب وترسيخ علاقات دولية مع البلدان الاخرى عبر سياسة خارجية متوازنة تمكن العراق من الوقوف بقوة في المحافل العربية والدولية على اساس احترام الاخر وحق شعبنا في تقرير مصيره واحترام ارادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية والوقوف بقوة لفضح ممارسات الدول الداعمة للارهاب وايقاف محاولاتهم الرامية لتعطيل العملية السياسية التي تهدد مصالحهم وتساهم في استنهاض شعوبهم نحو الحرية والمطالبة بحقوقهم المشروعة ...
عبد الخالق الفلاح
كاتب واعلامي
https://telegram.me/buratha