أعتصر قلبي وأنا ارى تفجير النبي يونس (عليه السلام)، فانا كغيري ممن عاشوا فترة في الموصل زرت مرقد النبي وصليت فيه متذكرا قوله جل جلاله {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}، نعم أن للموصل نكهة خاصة يحس بها كل من زارها، ففيها عبق الحضارة، و مقامات الانبياء، و تحتضن في ثنايا جدرانها جميع الاديان السماوية، فالجامع بجوار الكنيسة مقابل الدير.
كيف سقطت جوهرة العراق الشمالية بيد جرذان الصحراء مسألة تدعى للعجب، خيانة داخلية ،قوى خارجية ،تعاون جزء من أهلها وسكوت الآخرين؟ أم أن الكل تآمر لكي تركع هذه المدينة الشامخة على مر العصور؟
يخطأ من يظن أن سقوط الموصل كان صدفة كظهور الورم الشيطاني داعش في جسد الأمة العربية، فكلا الحدثين خطط لهما منذ سنين عديدة، فخلق منطقة تحكمها الفوضى تحتل أجزاء من العراق وسوريا، مذكور في روايات ظهور الحجة (عجل تعالى فرجه الشريف)، ومذكورة أيضا في الارث اليهودي القديم.
أما كيف بدأ الامر، فكل الأدلة والمؤشرات تشير إلى تورط جهات عدة داخلية سياسية وعسكرية، فأكثر من جهة أعلنت أنها أوصلت معلومات إستخباراتية عن عملية الموصل قبلها بأسبوعين، كذلك فعملية الإنسحاب كانت مخططة بدقة لكي تسبب إنهيار في الجيش العراقي، فهروب القادة العسكريين ومحافظ الموصل الى حدود كردستان، جعل أفراد الجيش يهربون بنفس الإتجاه، ولو كانت الخيانة من أفراد الجيش وهذا الحدث (نادر جدا في التاريخ العسكري) لهربوا بكل الإتجاهات وليس بإتجاه واحد.
من ناحية أخرى فلو كان الإنسحاب تكتيكي مستحيل أن يحدث من غير ولا طلقة نار واحدة، كذلك ستكون جهة الإنسحاب نحو الجنوب حيث تتواجد باقي القطاعات العسكرية، لإنذارها وتكوين حائط صد تمنع تقدم العدو، أما ما حدث من هروب القادة وأستقبالهم رسميا في كردستان، ومن ثم نقلهم إلى بغداد، والتهاون في محاسباتهم، ومن ثم تكرار الخيانات في اكثر من قاطع، من غير تحقيق أو محاسبة، و تحرك الدواعش وفق معلومات إستخباراتية دقيقة يجعلنا نتسائل عن حجم المؤامرة والمشتركين فيها.
أن من أوقف تقدم الدواعش وفاجأ المتآمرين، هي فتوى الجهاد التي أعلنها السيد السيستاني (دام الله ظله الوارف)، وكذلك فالمرجعية الحكيمة هي من وضعت لنا خارطة الطريق للتخلص من جرذان الصحراء، فتغير القيادة السياسية هو الحل فالتغير سيهيأ ارضية صلبة لإعادة هيكلة الجيش وأبعاد الخونة من غير تردد أو خوف، كما أن تغيير السياسة الخارجية من شأنه أن يوقف الأسناد الخارجي للدواعش وكشف الدول الداعمة لهم، نعم أن مرجعيتنا الرشيدة هي صمام الأمان الوحيد والحقيقي الذي يستطيع إيصال العراق إلى بر الأمان.
أما أهلنا في الموصل، فأنا أعلم يقينا أن أكثرهم غير راضيين عن تواجد الدواعش، ولكن عدم الرضى والسكوت وحده غير كاف، لأن الدواعش بفكرهم الجاهلي البعيد عن الاسلام، لا يعرفون غير التخريب والدمار، وأن هدمهم لرموزهم الدينية و الحضارية هو لزيادة اذلالهم، تمهيدا لإستعبادهم وإستحياء نسائهم، فليس لديهم إلا الرضى بالعيش كعبيد ،أو القتال حتى الموت بكرامة، كما كان عهدنا بهم دائما.
https://telegram.me/buratha