حسين الركابي
مع جل احترامنا الى عمل الدلالة(السمسرة)، وهي مهنة يمتهنها اناس يعملون في بيع، وشراء العقارات، والسيارات، والمواشي، ويعملون بين كل بائع، ومشتري؛ لكنها صفة مذمومة بين الاوساط العامة، كونها تأخذ صاحبها الى الكذب، والصوت الجهوري القبيح، حتى اذا اراد احدا ان يغيض صاحبة، ينعته بالدلال، او الدلالة.
يبدو ان هذه المهنة بعد 2003 لم يختصر عملها على بيع العقارات، والمواشي فقط، وانما لبست رداء السياسة، وصار لها رواجا كبير بين الاوساط السياسية، والاجتماعية؛ في ظل ساحة مفتوحة، وانهيار نظام دكتاتوري مقيت، واستقطاب أي شيء، وتعطش فئة كبيرة من ابناء الشعب الى السلطة، والحكم كونهم قبعوا تحت نظام شمولي اكثر من ثلاثة عقود.
الدلالون تبوأوا مناصب كبيرة، ومهمه في الدولة العراقية، وصار لهم رواجا كبيرا بين الفضائيات، والصحف، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حتى جعلوا لأنفسهم اسماء، وصفات لها تاريخ كبير، وعظيم لدى المسلمين عامة، مثل زينب العصر، ومختار العصر، والخنساء، ولسان الطائفة، والمذهب...الخ.
وهذه الصفات لا تناسب مع ما يحملون هؤلاء من فكر ضحل، ومصداقية، ومنهج؛ لكن اتخذوها غطاء من اجل عبور مرحله معينة، وكسب الراي العام، والتخفي خلفها، هو الذي اوصلنا الى الانهيار، والتشظي الاجتماعي، والسياسي.
هؤلاء"الدلالين" الذين يجيدون اللعب على جميع الاوتار، والقفز من موقع الى اخر، حسب المواقع التي تجني لهم ارباح كبيرة، كونهم ذا خبرة عالية، اكتسبوها في مسيرتهم الطويلة على يد الحكام، والملوك السابقين.
الشعب العراقي الذي انتظر طويلا، وتحمل القتل، والتهجير، والطائفية المقيتة؛ التي حرقت الاخضر مع اليابس، خلال العشر سنوات التي تلت سقوط النظام البعثي، وكان يأمل خيرا بحكومة تداوي جراحه، وتلملم أشتاته المبعثرة على يد اصحاب سطوة اللسان، وبائعي الضمير الذين يبيعون، ويشترون بأرواح الشعوب، ومقدرات البلاد، ويعملون على ايجاد شرخا كبيرا بين الطوائف، والقوميات، والاحزاب.
هذا ما دأبت علية بعض الكتل السياسية العراقية، باحتواء جميع أولئك الدلالين، واصحاب سطوة اللسان، من اجل التغطية على الاخفاقات الحاصلة في ادارة الدولة، والفساد المستشري في جميع مفاصلها، وجعل أولئك سورا كبيرا، وسدا منيعا لصد جميع المشاريع الاصلاحية، والوطنية؛ التي تريد ان ترمم المؤسسات، وتفضح الفساد السياسي، وتجعل العراق في مصاف الدول المتقدمة.
وقد تبجح كثير من اولئك"الدلالين والدلالات" في برامج رمضانية على انهم لا يحملون سلاح، ولا الة جارحة، وانما يحملون فكر سلطة، وتخندق طائفي، وحزبي، ودفاع عشوائي عن كرسي الحكم؛ فلذلك اعتذر الضيف الاخر عن الحضور، متخذ قول امير المؤمنين علي(عليه السلام) اذا كلمني الجاهل اتعبني، واذا كلمني العاقل اتعبته...
https://telegram.me/buratha