لم تعد السياسة في عالم اليوم, مقتصره على ما يدور من مؤامرات داخل بلاط الملوك وقصورهم؛ بل أصبحت تمثل اليوم, عمقا ضاربا بأطنابه في دقائق الحياة اليومية للمواطن.
المشاكل الصغيرة في لعبة السياسة (في العراق اليوم مثلا), يمكنها أن تجلب الكثير من المصاعب والعراقيل, وتسلطها على حياة الناس اليومية, وفي كل مجالاتهم: الإقتصادية, والأمنية, بل وحتى الإجتماعية الحياتية؛ هذا هو الصعيد الطبيعي للعمل السياسي في الوقت الحاظر؛ وإذا أردنا أن نضيف لها خصوصية ما يجري في العراق, من توجه شبه كامل, لأغلب العاملين في الحقل السياسي, نحو تغليب المناهج والرؤى المبنية على أهداف, هي عبارة عن مسالك ضيقة, قد تتمثل بالطائفة, او الدين, او العرقية, او الحزب, او القومية؛ فإننا نجدها قد تم اتخاذها, منارا يستدل به أغلبهم اليوم.
لا غرابة في أن نشهد ابتعاد العملية السياسية برمتها, عن تقعيدات الإستقرار المؤسساتي, الذي يفترض ان يتوفر فيها؛ لينعكس هذا الإستقرار, كنمطية توجيهية لكل مؤسسات الدولة الإقتصادية والخدمية والأمنية. بل وإتجاه البلد الى عملية انشطار للأزمات, لم يسبق أن حدثت, في تأريخ دولة من الدول في عصر الحداثة السياسية؛ بل وخلقت وباءا يصعب علاجه, تلون بتسميات عديدة, تصب كلها في خانة الإرتباك العام في ادراة ملفات البلد؛ مما انعكس بالنتيجة على ظهور هبوط حاد وملحوظ, في الخط البياني المرسوم, لمستوى تفاعل الدولة وأجهزتها الخدمية, وما تقدمه من حقوق؛ مع مدى استجابة المواطن لها, والذي بدأ يغير أسس اعتقاده بمفهوم الدولة الديمقراطية, حيث بدأ يضعف ويقل هذا الإعتقاد يوما بعد آخر. فالمواطن اليوم, لم يعد ذلك الجزء المكون لمجتمع والذي يمثل فيه, أتباع الملك وقطيعه؛ بل انه بدأ يتفاعل ويراقب حراك السياسيين, ولقائاتهم وحواراتهم؛ وهو في كل ذلك, لم يلمس منهم -ومنها- الا توترا, وتشنجا, وتصعيبا وتعقيدا للأمور؛ التي تبدأ في ظاهرها سياسية, لتنتهي في آخرها حياتية تمس حياة الإنسان وكرامته.
إذا فالحل الذي(قد) يعيد الأمل الى المواطن, هو من خلال إدراك السياسيين, أن صراعاتهم الفئوية والحزبية, السياسية الضيقة, يجب أن تنتهي؛ لأنها سبب خراب العراق؛ ويجب أن يغيروا منظومتهم القيمية القائمة على حب ذواتهم, إلى حب وطنهم وحب تقديم الخدمة لمواطنيهم؛ كقيمة عليا يؤمنون بها, وينكرون ذواتهم من أجلها !! .
محمد أبو النواعير- ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة
https://telegram.me/buratha