ملتقى براثا الفكري تربية المنتظرين في دعاء الافتتاح 4 رمضان 1437 هـ الموافق 10 / حزيران – يونيو /2016 م
ملخص المحاضرة
* دعاء الافتتاح احد المعالم المركزية في شهر رمضان ولعله احد اشهر الادعية عند شيعة اهل البيت ص ، وخصوصيته في شهر رمضان كونه تُطلب قراءته في كل ليلة وهو ما يثير الانتباه ، لان لدينا ادعية اخرى لم يطلب قراءتها يوميا ومنها على سبيل المثال دعاء كميل طُلب منا قراءته في كل ليلة جمعة او في كل شهر او في كل سنة ، ايضاً بالنسبة لبقية الادعية لا نجد غير دعاء العهد ما يُقرأ يومياً ، لكن في شهر رمضان حيث تتركز الاعمال العبادية لابد ان يُلفت انتباهنا لطبيعة امتياز هذا الدعاء ، هذا الدعاء مروي عن الامام المنتظر ص وحينما طولبنا ان نقرأه في كل ليلة لابد وان المضامين التي ينطوي عليها هي السر الذي جعل إمامنا ص يدعونا الى ان نقرأه في كل ليلة ، ومن الواضح جداً ان ابعاد الثواب المطلوبة في هذا الدعاء كما في غيره عادةً لا تنحصر بالبعد الاخروي للثواب وانما من يقرأ هذا الدعاء بشكل دقيق لا يشك بان الثواب الدنيوي يتزاحم بشكل كبير مع الثواب الاخروي فيه ، والمقصود بالثواب الدنيوي هو الثواب العام للامة المعنية بهذا الدعاء.
* لذلك يجب التوقف كثيراً عند هذا الدعاء ، وقد طلبنا كثيراً قراءة هذا الدعاء قبل شهر رمضان بعنوانه مادة فكرية وليس بعنوانه دعاءً لأننا في الغالب حينما نقرأ الدعاء لا نجد فرصة للتعمق كثيراً في الابعاد الفكرية التي ينطوي عليها ، لكن ونحن الان في ليالي شهر رمضان ونقرأ هذا الدعاء يوجد تساؤل وهو لماذا طولبنا ان نقرأه في كل ليلة في هذا الشهر الذي تميل فيه القلوب والارواح الى الدعاء وفي ما بعد المغرب حيث الاجساد قد ارتاحت من ضغوط الصوم وحيث النفوس تميل اكثر الى الخلوة مع ذاتها وربها ومع من تجد سلوة فيه ، فاذا ما كان شهر رمضان هو ربيع الدعاء لا شك ان مطالبتنا في هذا الوقت لقراءة هذا الدعاء تنطوي على ابعاد يريد الامام ص ان نحملها بأبعاد متعددة.
* اذا ما لاحظنا الدعاء بشكل دقيق سنجد انه يشتمل على موضوعات متعددة وفي كل هذه الموضوعات نجد تراصف في غاية الاهمية لكل المنظومات التي على اساسها يتم عمل الانتظار ، لذلك نقطة اولى لابد من التركيز على حقيقة ان الدعاء هو مفردة اساسية في عمل ومنهاج المنتظرين وفي صياغة شخصياتهم ، حينما نتأمل جيداً سنجد ان الدعاء يخاطب المنظومة النفسية للقارئ او السامع والمنظومة الوجدانية والمعنوية والعقائدية ثم المنظومة العملية ولم يترك فراغاً في طبيعة خطابه بالشكل الذي يمكن للمُخاطَب ان يُشكِل بان النقطة الفلانية بقيت فارغة على الاطلاق ، لكن حينما نقرأه لا يفترض بنا ان نقرأه وكأننا نحن من وضع النص وانما واضع النص هو الامام المعصوم ص وهو الامام الذي طولبنا بان ننتظره ، لذلك وضعه كما يفترض لزمن الغيبة ومفردات هذا الدعاء تخص الانسان الذي سيعيش انتظار الامام ص كما هو واضح من حديث اواخر الدعاء في الرغبة في الدولة الكريمة وما الى ذلك انما يتعلق بالمستقبل وبما هو منشود ، لكن حينما نقرأه بصيغة الناص اي المعصوم ص لابد ان نقرأه بصيغة التوجيهات لنا وبما يريده منا تحديداً .
* في البداية نجد ان الامام ص يصنف المنتظرين على وجه خاص وعموم الناس على وجه عام بثلاثة اصناف وهي نفس اصناف العُبّاد ، العابد بناءً على مقتضيات الهروب من النار والعابد بناءً على مطامع الاقبال على الجنة والعابد المقبل على جمال الله سبحانه وتعالى والمتعامل بعيداً عن الجنة والنار ، كذلك هنا من الطبيعي ان المنتظِر الذي يخص نفسه دون بقية الناس وهو يشعر بان مقامه يجب ان يكون اعلى من بقية مقامات الناس وخصوصيته يجب ان تكون اخص من بقية الناس هو ايضاً ينظر الى هذه التصنيفات ويُفترض فيه ان يضع نفسه ضمن واحدة من هذه الامور ، يرد في الدعاء " اللهم اني افتتح الثناء بحمدك " يفترض ان يجلب نظر المنتظِر الى ان خطابه بالثناء على الله من اي منطلق ينطلق هل هو بالخوف من النار فيكون عملاً كأعمال العبيد ام انه رغبة في جنان الله سبحانه وتعالى كما يفعل التجار او ان هذا الثناء موضوع لقضية هي ابعد من طلب الجنة او البعد عن النار ، وهي حمدٌ لله سبحانه وتعالى وثناء عليه لأنه هو الله سبحانه وتعالى دون معية اخرى بجلاله وكماله وهو مطلوب لأنه هو الاعظم وجبروته مسلط على كل شيء ومثل هذه الجهة لابد ان تتملك شهقات القلوب لطبيعة جمالها وكمالها وجلالها.
* هنا المؤمن المنتظِر عليه ان يصنف نفسه ضمن هذه التصنيفات وعليه ان ينظر الى ذاته ليصنف نفسه باي نوع من هؤلاء العبّاد الذين يتعاملون مع الله سبحانه وتعالى ، ولكل موضع ثمة استحقاقات والتزامات يجب ان يُبديها ، وهنا الخطاب ليس للمزايدة فنحن اعرف بأنفسنا من اي شخص اخر وربنا اعرف بنا من انفسنا ، فلو قلنا باننا من صنف العباد الخائفين علينا ان ننظر الى آداب والتزامات التعبد على الخوف ، فالخائف لا يعصي ولا يتجرأ ولا يتواقح والخائف من يعود سريعاً فهل نحن من هذا الصنف بحيث استغفارنا منسجم مع
طبيعة سلوكياتنا في طلب هذه المغفرة ام هو مجرد ادعاء ؟ ، وإن قلنا نحن لسنا من اهل العصيان ولكن نرغب بالجنان فالواجبات وقد قمنا بها والمحرمات وقد انتهينا منها ولكن نطمع بالمزيد فالتاجر يحب ان يثري ، ولكن هل نتعامل بمقتضى ان نسأل عفواً ورحمةً من الله سبحانه وتعالى والرحمة هي الشيء الذي يضاف الينا ، ام سنتكلم مع الله سبحانه وتعالى بما يستحقه جلاله بمعزل عن طلبنا للجنة او رغبتنا بالبعد عن النار ، وهذه الامور هي المنظومة النفسية التي يصنف الانسان نفسه فيها وفي اي موضع هو منها.
* في المنظومة الاخرى نجد ان الامام ص يثير قضية في غاية الاهمية لإشادة البعد المعنوي عند الانسان في القول " اللهم اذنت لي في دعائك ومسالتك " ، والمقصود من هو هذا الشخص الذي يأذن الله سبحانه وتعالى له في ان يدعوه ويسأله ؟ وما هو استحقاق الطالب من الله سبحانه وتعالى ؟ ، هنا يشعرنا الامام ص بالبعد المعنوي بان الانسان في موضع الاكرام العظيم ما جعله الله سبحانه وتعالى اهلاً لان يخاطبه وفسح له المجال لان يخاطب عظيم السماوات والارض ، لذلك من نحن لنخاطب الله سبحانه وتعالى في حين انه اعظم من ان يحتاج الى احد.
* كثيراً ما يتم السؤال كيف ننتظر وماذا نعمل لنكون مقربين ومرضيين عند الامام ص ؟ فيعطي الامام ص الجواب بشكل سلس ولا مرية فيه على الاطلاق وذلك بتشكيل المنظومة النفسية والمعنوية للإنسان حسب ما يرد في الدعاء بان يعي الانسان ذاته ومن هو ثم معرفة طبيعة ما يحيط به ثم معرفة طبيعة المهيمن والملبي للطلب ، وخلاصة المطلوب ان يكون الانسان معتمداً عليه بالكامل.
* حينما يكون الله سبحانه وتعالى بهذه العظمة الواردة في الدعاء يأتي الامام ص ليعلمنا بان نعرض انفسنا على الله سبحانه وتعالى كمنتظرين باعتبار ان المنتظِر يريد ان يقيم دين الله والانتظار هو لكي يقام الدين ، لذلك اي صنف نحن في تعاملنا حينما دعانا الله سبحانه وتعالى ؟ هل استجبنا ام عصينا ؟ وهل اكرمنا انفسنا بناءً على اكرام الله ام لا ؟ يرد في الدعاء " لم ارَ مولى كريماً اصبر على عبد لئيم منك يارب انك تدعوني فأولي عنك " في حين نحن يفترض نحن من ندعوا ونحن اصحاب الحاجات لكن الله سبحانه وتعالى هو يدعونا ونحن الذين نولي ، لذلك يمكن لكل واحد منا ان يضع نفسه في هذه المعادلة ، هل اجاب حينما دعاه ام انه ولى وحينما تحبب اليه هل تبغض اليه ام رد على الحب بحب وعلى الاكرام بإذعان ، لو تحقق هذا الامر عند ذلك نكون من المؤهلين لكن اذا لازلنا في موضع الوقاحة عند ذلك لسنا من المنتظرين ونحتاج الى جهد كبير للوصول الى مجرد موضع حمل الاسم ، في قولنا منتظرين وهي المنزلة الاعظم عند الله سبحانه وتعالى واذا كان الانتظار هو اعظم الاعمال هل نحن من هذا الصنف ، وفي هويتنا المعنوية يجب ان نعرض هذا الكلام يومياً على انفسنا ، هل نحن في الموضع الذي يقبلنا الله سبحانه وتعالى ام نحن من الذين صبر حلم الله علينا لاننا لؤماء ومن يريد الكرامة عليه ان يبتعد عن اللؤم .
* فاذا كان الامر بهذه الطريقة التي جعل الله سبحانه وتعالى لنا مائدة في هذا الشهر الفضيل وهي خاصة لأوليائه ولكن وضعت للمنتظرين مائدة اكبر من غيرها لان ما ينتظرونه في شهر رمضان غير الذي ينتظره غيرهم ، نحن ننتظر الجوائز الكبرى وننتظر الآيات العظمى تتحقق في هذا الشهر ، لذلك يفترض ان يكون رمضاننا هذا غير اي شهر رمضان مر بنا لاسيما ان هذه الدنيا لا ترتجى ، لذلك ليس لنا الا الالتفات الى انفسنا والى اعمالنا كمنتظرين ، فالانتظار يكون بالعمل وبسلوكيات المنتظر المتبعة مع شيعة اهل البيت ص كما ورد في نهاية دعاء الافتتاح والتي سيخصص الكلام حوله في وقت لاحق .
https://telegram.me/buratha