21 رجب 1437 هـ الموافق 29 / نيسان - ابريل /2016 م
ملخص ملتقى براثا الفكري - خط العلماء في مسارات الانتظار
* من يطالع روايات الفتن يصل الى ان المجتمع في تلك الفترة سيكون اشبه بالتائه لا قيادة له ولاعمود فيه ولا من يمكن اللواذ فيه ، حينما تتحدث الروايات عن ان المنكر سيكون معروفاً وان المعروف سيكون منكراً انما تشير الى حالة عميقة من الجهل وجهل مركب ايضاً ، كذلك التحدث عن تشبه الرجال بالنساء وبالعكس انما تشير الى فقدان القيم الفطرية عند الانسان ، والاشارة الى جملة كبيرة من الامراض الخُلقية انما تشير الى انعدام منظومات متعددة للتماسك الاجتماعي ، ولا شك ان هذه الامور لا تنشئ من فراغ ولا يمكن ان تحصل صدفة لاسيما وان بعضها من القباحة بمكان بحيث لا يمكن ان نتصور حدوثها ياتي من خلال اشهُر من العمل المضاد للمنظومة الاجتماعية ، ان يتحول المنكر الى معروف امر لا يمكن ان يكون سهلاً الا مع انعدام قيم متعددة من الواقع الاجتماعي.
* في رواية رسول الله ص هناك اشارات كثيرة جداً الى طبيعة انعدام منظومات متعددة ولكن يمكن القول بان غالبيتها تنطوي على ان العلم والعلماء يكونون في دائرة اكثر انزواء منها الى واجهة التصدر وواجهة القبول بالاجندة التي تمثل خط العلماء ، كذلك تشير الرواية الى انهيار هائل في المنظومة الاجتماعية ، والحديث من اشراط الساعة والذي يمكن اعتباره من اشراط مجتمع ماقبل الظهور الشريف .
يقول ص لسلمان المحمدي رض " إن من اشراط القيامة: اضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل إلى الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه، كما يذاب الملح في الماء، مما يرى من المنكر فما يستطيع أن يغيّره. قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال(ص): إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وامناء خونة. فقال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟.قال (ص): إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يكون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق. قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (ص): اي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها تكون امارة النساء، ومشاورة الاماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب طرفاً، والزكاة مغرماً،والفيء مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب." الى اخر الحديث.
* يقول امير المؤمنين ص " أيها الناس، إنما بَدْءُ وقوع الفتن أهواءٌ تُتَّبَع وأحكام تُبتدَع، يُخالَف فيها كتابُ الله، يتولى فيها رجال رجالاً. فلو أن الباطل خلص لم يخفَ على ذي حِجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى" .
* لا شك ان انهيار هذه المنظومات يشير الى تنامي الجهل وتحوله الى جهل مركب حتى ان الجاهل منهم يعد نفسه عالماً بل يسفه علم العالم بناءً على جهله مما ينبهنا الى جملة من القضايا ، منها مايتعلق في طبيعة خط العلماء في مسار الانتظار حينما تعم الفتن ويبتدئ الجهل بغزوا الناس هنا واجب العالم ان يظهر علمه وعليه ان يتصدى ليكشف كل هذا الزيف لكن عليهم ان يتأهبوا لدفع ضريبة باهضة الكلفة من تقتيل وتعنيف وازراء وتغييب وابعاد وما الى ذلك.
* يلاحظ ان عملية التجهيل هي اجندة معدة سلفا لغزوا المجتمع وهي ليست عملية عابثة ، حينما يقال ان الشيطان سيستولي على من يتبع هذه الامور انما يشير الى اجندة تتقدم في اوضاع المجتمع وتوجهه باتجاه نمو هذا الجهل وتحويله الى مظاهر مقبولة ومنها تشبه الرجال بالنساء وبالعكس والافتخار بالمرأة الفاتنة ومشاهدة المسلسلات التي تحوي علاقات محرمة وما الى ذلك ، يلاحظ في هذه الظواهر مغادرة للمروءة والكرامة وهي تسري في المجتمع بشكل رتيب وتتقدم والناس لا يرون ضيراً فيها ، هنا الجهل هو المسيطر الاساسي في الواقع الاجتماعي ولكنه جهل منمق يخلط باطلاً بحق فيقبلون بعملية الخلط بالشكل الذي يتحول الجهل الى قيم مقبولة ومعايير مهضومة .
* هنا ياتي دور العلم والعلماء في مكافحة هذه الظواهر ، ولا شك ان المنتظرين معنيون تماماً بهذه القضية وبالنتيجة علاقتهم مع العلم والتفقه علاقة لصيقة جداً ، ليس من باب التثقف ونماء المعرفة مع انها مطلوبة ولكن للوصول الى رضا الامام ص يجب السير في هذا الطريق كما ان الفقاهة هنا لاتعني دراسة الاحكام الشرعية فقط وانما هي الوصول بالمعرفة الى الدرجة التي لا تخرجنا عن طاعة الله سبحانه وتعالى ولا تدخلنا في الجهل الذي نرى صورته في الواقع الاجتماعي ، لذلك لابد من الرجوع الى العلم لضبط المسار وللامساك بالامة من الضياع ، والحديث يجب ان لا يكون بعدم القدرة على التغيير بل يجب ابراء الذمة امام الله سبحانه وتعالى بالنصح والوعظ والتنبيه والارشاد واحالة الناس الى طريق العلم والمعرفة بالجهد المستطاع ، ورد في قوله تعالى في شان اصحاب السبت
" وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " .
* في مسار الانتظار يوجد معلم رئيسي يجب وضعه دوماً امام الاعين وهو ان من خلّفه الامام ص في ساحة الانتظار هو العالم الاعلم الذي يروي حديثهم لصيانة هذا الدين ولوقاية الناس من ان يضلوا او يجهلوا ، حديث الرجوع الى رواة حديثنا هو الرجوع الى العلماء والذي يسمى حالياً بالمرجعية ، عليه فان المرتكز الاول في خط العلماء هو الرجوع الى العالم الاعلم الراوي لروايات اهل البيت ص الصائن لدينه والمطيع لامر مولاه ، كما ان مؤسسة المرجعية هنا ليس المقصود منها المرجع فقط وانما كل من يؤدي الدور الذي ينتهي الى المرجع هو ضمن المنظومة التي اراد الامام ص ان نتمسك بها.
* يلاحظ هنا ان جميع الحركات المنحرفة والمضلة هدفها اسقاط هذه المنظومة من تشويه للمراجع والتكذيب في مسالة التقليد والاجتهاد ونعت المراجع بكل ما يتمكنون من صفات السوء ومحاولة اسقاط المرجعية في نظر الناس ، لا شك ان من يريد اسقاط منبراً من العلم انما يريد ان يقيم منبراً من الجهل ، حيث من الواضح اليوم وجود جهات متعددة تتربص الدوائر بكل ما يمت للمرجعية بصلة لتسقيط كل ما يتعلق بالوضع المرجعي ، والتشيع حينما اصر على وجوب الرجوع الى صاحب العلم انما اوجد منظومة في نفس الوقت اسمها حرمة الركون الى الجهل.
* لذلك كل محاولات السياسيين او الاعلاميين او ما الى ذلك في تخطي هذه العتبة انما هي عملية تخطي العلم الى تجهيل المجتمع ، والعلم الذي يُجرد عن البعد الديني له مخاطره العديدة كما هو الحال لمن يريد التشبه بالغرب ، فعالِم الاحياء والكيمياء على سبيل المثال ان لم يضاف له البعد الذي يمسك بعلمه بحيث يوظفه لصالح المجتمع عندها سيتحول عالم الكيمياء الى صانع متفجرات وسيُستغل من قبل من يدفع اكثر ولان ارادة الشر هي الاعلى ستبقى هذه العلوم مسخرة الى الواقع التجهيلي للمجتمع ، بمعنى ان العلم على مستوى التقنيات يعلو ولكن على مستوى الجهل القيمي والتخلف في المعايير الاخلاقية يسير باتجاه متنامي جداً ، لذلك لا يمكن تصور المؤسسات البحثية العالمية الموجودة تستطيع ان تسير دوماً وفق المسارات العلمية التي تنشئها المعادلات العلمية لكون راس المال هو المتحكم والمسيطر من قبل الشركات التي هدفها الربح كيفما اتفق بالحروب او بالاسلحة وما الى ذلك سيذهبون اليها دون تلكؤ .
* اليوم المرجعية تحولت الى قوة هائلة على المستوى السياسي والاجتماعي لذلك لابد للعدو ان يشوه هذا المقام ولابد له من ايجاد فصل ما بين المرجعية والناس ، فوقوف المرجعية امام الفاسدين في الانتخابات واشارتها الى الجروح الحقيقية التي سببوها ادى الى تحول فسادهم الى برامج تعمل من اجل الفصل بين المرجعية وقواعدها الشعبية ، وعملية الفساد ليست كلمة اخلاقية فقط بل هي منظومة كبيرة في داخل الواقع الاجتماعي لديها وسائلها في التحرك لحماية الفساد واستمراره وتتضمن مليارات الدولارات ، لذلك هدفهم تحطيم كل القواعد التي من شانها ان تُبقي الناس واعية وتنظر بعين الحرمة والحلية.
* يبقى دور العالم هو دور التنبيه والمنتظِر يبقى دوره هو حماية العالم ومؤسسة العلم وعدم التردد في حماية مقام المرجعية وهو تكليفنا لكون ضلال الناس ياتي من حالة التراخي ، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل ان يولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم .
ختاماً نقول لمن هو تابع للمرجعية والعلماء ان شرط التدين الاساسي هو العمل بالتكليف قبلت الناس ام لم تقبل.
https://telegram.me/buratha