الصفحة الفكرية

المرجعية الدينية والحوزة العلمية في مواجهة التيارات الفكرية الإلحادية المنحرفة

1737 19:56:00 2014-02-15

إنّ من أهم الأسباب في انحسار التيارات الفكرية الإلحادية والمنحرفة, عن الإسلام عامة, والتشيع خاصة قوة الدين والمذهب, وأصالتهما, وعقلانيتهما, مما يوجب تجذّرهما في أعماق الإنسان عقليا وعاطفيا, وقبوله دعوتهما, واستجابته لهما بطبيعته الأوليّة.وأقوى شاهد على ذلك في هذه العصور أنّ المسيحية التي هي اقوى دين بعد الإسلام, كانت قد غمرت الغرب وحكمته قروناً طويلة, وقد نبعت في أوساطها الدعوة العلمانية المتحللة باتجاهاتها المختلفة, ونشطت لها وقارعتها حتى انهارت المسيحية واستسلمت, ولم يبق منها إلاّ اسماء خالية وهياكل جوفاء تتعايش مع العلمانية ولا حول لها ولا قوة أمامها إلى يومنا هذا.بل صارت المسيحية _بقوتها التبشيرية_ واجهة للاستعمار الغربي العلماني وأداة لتثبيته في الشعوب المستضعفة.حتى اذا استكملت العلمانية الغربية قوّتها توجهت للبلاد الإسلامية _وهذه في منتهى ضعفها_ فاكتسحتها بقوّتها العسكرية الهائلة وبحضارتها ومكتشفاتها الجبّارة، وبشعاراتها البرّاقة في الحرية والعدالة وحفظ حقوق الإنسان وغيرها, لتقضي على الإسلام في مهده وتقتلعه من مغرسه.وقد نجحت فعلاً في اكتساح تلك البلاد, والنفوذ فيها عسكريا وسياسيا حتى الآن, إلاّ أنّ صراعها مع الإسلام باء بالفشل، وقام الإسلام على قدميه عقيدة أصلية متجذرة. وقد فرض نفسه عالميّاً حتى أثار قوى الشر, فهي تحسب له حسابها, وتعد له عدتها.ولم ينحسر الإسلام في البلاد التي دخلها الاّ في بلاد الأندلس, لضعف الإسلام الذي حلّ فيها, لإنّه أموي النزعة والتطبيق, منقطع عن منابعه الصافية بسبب بعد البلاد المذكورة عن عواصم الإسلام, ولقسوة الهجمة التي اكتسحته وشراستها وطول مدّتها, ولانها جاءت في دور وهن المسلمين.على أنّه بلغنا وجود بقية له هناك, ومثل هذا يجري في التشيّع حيث بقي متماسكاً مع عنف الهجمات التي تعرض لها في تاريخه الطويل وقوتها وقسوتها, بل ازداد رغم ذلك قوة وصلابة ونشاطا وتوسعا, وفرض نفسه على الساحة العالمية.كل ذلك لقوة دعوته وتناسقها ومنطقيتها, وخلوّها من المفارقات والتناقضات وسيطرتها على العقل والعاطفة.وبالنظرة الموضوعية المنصفة يتّضح أن بقاء الإسلام إنما هو ببقاء التشيع, لأنه الإسلام الحقيقي المتكامل المتوثّب, ذو القلب الحي النابض, والعقل المتفتح الناضج, والفكر الصافي الخالي من الشوائب والأوهام والخرافات ومن المفارقات والسلبيات, والصوت المدوّي بالحق والعدل، ورفض الباطل والظلم.ولذا تحزّبت عليه قوى الشر وأعداء الإسلام, وأعدّت له عدّتها لتقضي على (الإسلام) باسمه, ولو بالاستعانة ببعض الفئات المنتحلة له التي سبق لها أن استعانت بها لإضعاف هذا الدين أو القضاء عليه.وتبدو أهمية الحوزات العلمية وموفّقيتها في إصلاح المجتمع فكريا من بقاء التشيع على نقائه و صفائه ووحدته وتكامله في عصر الغيبة الطويل, حيث يغيب القرار المركزي المعصوم, وحيث يتاح لكل أحد أن يقول ما يريد, إذْ من شان الدين _بعقيدته وسلوكياته_ حينئذ أن يتعرض للاجتهادات والتخرّصات ولمحاولات التحريف والتحوير من الداخل, وللمواجهات الفكرية والضغوط من الخارج, مما قد يضطره لتناسي بعض حقائقه, وتجاهلها والتغاضي عنها.غير أن التشيع بعناية الله ورعاية إمام العصر عليه السلام وبجهود علمائه العاملين بقي متماسكا هذه المدة الطويلة من دون أن ينحرف عن خطه المعهود. على أنه تعرض لكثير من المشاكل والفتن الداخلية.التي كادت أن تقضي على وحدته, إلاّ أنّ الفتن هذه لم تلبث أن هدأت, وتراجع أهل الرشد والتقوى لتمييع الخلاف، والتركيز على الأصول المشتركة، وجمع الشمل ورتق الفتق, حتى عادت الوحدة بين أهل الحق, ولم يبق للتعصب وجود يذكر.لقد تعرّض التشيع لفتن متلاحقة لم تلبث أن انحسرت, ورجع الكثير إلى دينهم وعقائدهم الحقة وانضووا تحت لواء التشيّع وفي كيانه العام, وانعزل المتشبثون بتلك الأفكار في فئات، بعضها خرج عن الإسلام رأسا, وبعضها بقي عليه في قلّة قليلة غير معتدّ بها، معزولة عن الكيان الشيعي العام, لا تؤثر على مسيرته ونشاطه.وكل ذلك بفضل قوة التشيع وجهود الحوزات الشريفة وعلمائها العاملين.وبمقارنة سريعة مع بعض المذاهب والأديان الأخرى تتضح ميزة التشيع في ذلك, فالوهابية فرقة نشأت في العصور القريبة لتشق وحدة المسلمين وتفرّق كلمتهم, وقد كان لها الدور المهم في إضعافهم وإضعاف الخلافة الإسلامية السنيّة, وفي التمهيد لنفوذ الأجانب في البلاد الإسلامية.وحتى أوائل القرن الماضي، قبيل الحرب العالمية الأولى كانت بنظر المسلمين عموماً هي الفرقة المبدعة الخارجة، المفسدة في الأرض، المنتهكة للحرمات, حتى اذا استتبّت لها الأمور خفت صوت التسنن ضدها وأعُترف بها, ثم نشطت, واذا هي الآن الأقوى مادياً, والأعلى صوتاً, بل قد تكون اليوم هي الناطق الأظهر باسم التسنّن, لما تملكه من قوى مادية هائلة ودعم خارجي غير محدود لا تخفى على المتبصّر, ولم يقو التسنّن على إنهائها ولا على تحجيمها عقيدياً وفكرياً.وهذه المسيحية الكاثوليكية قد استحدث فيها المذهب البروتستانتي باسم الإصلاح في القرن السادس عشر الميلادي, وقد ثبت المذهب المذكور أو استحكم ونشط, وصار لكنائسه كيان ونشاط قوي ينافس الكنائس الكاثوليكية, ويقف في وجهها, ولم تقو الكاثوليكية على استيعاب الخلاف وتمييعه, ولا على تحجيمه, بحيث ينحصر في فئة قليلة غير معتد بها تعتبر شاذة عن الكيان العام, نظير الفئات المشار إليها آنفاً في التشيع.

صحيفة صدى المهدي عليه السلام العدد ٤٧

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك