صوت تلاشی من بين القباب..!
د.أمل الأسدي ||
في الكاظمية حيث رائحة"المكينة والتمن عنبر" تكون ممزوجة بمحبة الأمهات، فتری الأم ـ صباحاـ تبخر البيت بالحرمل ثم ترشه في الباب، وفي المساء تكرر الأمر، وما بين الفعلين هي تخاف علی أبنائها كثيرا، وتحرص عليهم، وتدعو لهم بالحفظ والتوفيق... وهنا سنتحدث عن أمٍّ تحب أبناءها جدا ألا وهي الملا فاطمة، الملا التي تحفّظ أبناء المحلة القرآن الكريم، وهي في الوقت نفسه خياطة ماهرة؛ إذن هي سيدة(نادرة ومعدلة) كما يقولون، وهذه المعدلة لديها ثلاثة أولاد، أصغرهم أحمد، الشاب الخلوق، الرياضي، الهادئ، الملتزم، وقد أكمل أحمد دراسته في معهد الصحة العالي، وخدم في الجيش وأكمل خدمته، ثم تم تعيينه في مستشفی الرشيد العسكري، وفرحت أمه بذلك وقالت له: بعد لازم تكمل فرحتنا وتتزوج!
وبالفعل خطبت له ابنة عمه، واشتروا الذهب والجهاز، واتفقوا أن يكون الزفاف بعد انتهاء شهر رمضان، أي في عيد الفطر، كان ذلك عام 1979م ، وكان عمر أحمد حينها 21 عاما، ولكن فرحة أمه وأهله لم تكتمل، فكل قصصنا مبتورة، يرسم الطـ.ـاغية نهايتها!!
أحمد لم يعد الی المنزل!! ولم يكمل شهر رمضان، اختفی صائما، وعلموا أهله أنه قد تم اعتقاله، ولم يجرؤ أحد منهم علی السؤال والبحث خشية علی الباقين!!
الملا فاطمة تفطّر حسرتها الحجر!!
بيأس ومرارة أحرقت كتبه، فالقراءة جريـ.مة، والدعاء جـ.ريمة ولاسيما أن اليد التي تدعو من الكاظمية!!
اختفی أحمد ورجال الأمن يقتحمون المنزل بين مدة وأخری، صرخوا بوجه والده وأهانوه؛ لأنه سألهم عنه!!
قالوا له: أعطنا مستمسكات ابنك الخائن!!
تری أية خيانة قام بها أحمد الذي لايشغله سوی العمل والرياضة، ولاسيما وقد فاز ببطولة الساحة والميدان؟!
وأية خيانة قام بها هذا الشاب الصائم !
آه يافاطمة!! كم تحملت؟ سنوات والأمن لايترككم، أسئلة وتفتيش وزجر... كنت تضعين عباءتك علی رأسك وتتولين مقابلتهم، وتوصين أحفادك: خاف واحد يسالكم ابوكم وين..گولوا طالع!!
فهي تخاف علی البقية، تخاف أن يتلاشی صوتهما مثل أخيهما أحمد!! وبالفعل أكلت الحرب العبثية ابنها الكبير أيضا، ليتحطم قلبها، ويضيع جهدها وسهرها وتربيتها، تضيع كلها في لحظات!!
ولكنها لم تفقد الأمل، وتجدها بعد كل صلاة تدعو بصوتها العذب ومنطقها الفصيح: اللهم، فرّج عن المظلومين وردّهم سالمين غانمين ومنهم ولدي أحمد!
لم تتعب ولم يهزمها اليأس، مازالت تنتظر عودة ابنها حتی رحلت عام 2000!!! ليتضح بعد سقوط الطــ.اغية أن أحمد تم إعدامه عام 1982م!!
أعــ.دموه وأمه بقيت تتعذب، تموت وتحيا ألف مرة!!
بقيت تنتظر عودته وعيونها تترقب الباب!!
عله يأتي!!
أحمد لن يأتي أيتها الأم الفاضلة، أحمد: غيبوه، وغيبوا صوته، وصادروا أنفاسه!!
رحل ورحلتِ ولعل جدران الغرفة مازالت تشاركك حزنك وتردد:
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
مـن الـعـرس مـحـروم ... حـنتي دم المصاب
شــمــعـة شـبـابـي مـن يـطـفـوهـا
حـنـتـي دمـي والچـفـن ذاري الـتـراب
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
https://telegram.me/buratha