عادل الجبوري ||
بعد أن زار الأسبوع الماضي كلًّا من الأردن والكويت، من المفترض أن يزور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الجمهورية الاسلامية الايرانية هذه الأيام، تلبية لدعوة رسمية تلقاها من الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي.
لا شك أن هناك الكثير من الملفات والقضايا التي تطرح على طاولة البحث والنقاش بين السوداني وكبار المسؤولين الايرانيين، وهي في مجملها ليست ملفات وقضايا خلافية، بل ترتبط وتتمحور حول سبل تعزيز العلاقات بين الطرفين بمختلف المجالات والجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية، والتي تنامت وترسخت وتعززت إلى حد كبير خلال العقدين الماضيين، وتحديدًا بعد الاطاحة بنظام صدام، رغم الحرب المفروضة التي دامت ثمانية أعوام (1980-1988)، ورغم الاحتلال الأميركي للعراق ومحاولات ومساعي واشنطن المحمومة ومعها حلفاؤها وأصدقاؤها لابعاد ايران عن العراق.
فهناك مصالح اقتصادية متبادلة بين الطرفين على نطاق واسع، يعكسها حجم التبادل التجاري السنوي، الذي ربما يكون قد ناهز العشرة مليارات دولار، وهناك المواقف السياسية الايرانية الداعمة لمجمل العملية السياسية في العراق، وكذلك مواقف العراق الداعمة لايران، وهناك العلاقات على الأصعدة الثقافية والاجتماعية والدينية والسياحية، التي تعكسها الأعداد الهائلة من الايرانيين الذين يزورون العراق بمختلف الأوقات، في مقابل الأعداد الهائلة للعراقيين الذين يزورون ايران لاغراض الزيارة والسياحة والدراسة والعلاج، فضلًا عن عشرات الشركات الايرانية التي تستثمر في السوق العراقية بقطاعات البناء والاعمار والزراعة والصناعة. وهناك الدور الايراني الفاعل والمؤثر في مساعدة العراق في حربه ضد الارهاب التكفيري الداعشي لا سيّما الحضور الشخصي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الشهيد الحاج قاسم سليماني والذي ارتقى مع رفيق دربه نائب رئيس الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس باغتيال أميركي على الأرض العراقية، إلى جانب دور بغداد الايجابي في تقريب وجهات النظر وتقليص الخلافات ومعالجة الاشكاليات بين طهران من جهة، وبعض أطراف المنطقة من جهة أخرى، كالسعودية، وهو ما ظهر واضحًا وجليًا خلال الاعوام الثلاثة المنصرمة، حيث رعت بغداد واستضافت عددا من جولات الحوار الايراني ــ السعودي، في ذات الوقت الذي ساهمتا ـــ أي بغداد وطهران ـــ في تبني العديد من المبادرات والتحركات لاحتواء وتخفيف أزمات ومشاكل المنطقة، كالازمة السورية والأزمة اليمنية.
وهذه كلها قضايا ايجابية بالنسبة لكلا الطرفين، من المهم بمكان تعزيزها وتنميتها وتوسيعها وفق رؤى وآفاق استراتيجية عميقة، وسياقات وآليات عملية، وأولويات واضحة ومحددة بالنسبة للطرفين. ولا شك أن السوداني ذهب إلى طهران وهو يعرف ماذا يريد على ضوء برنامجه الحكومي، والأولويات التي وضعها فيه، وطبيعة المصالح والمواقف والتوجهات والثوابت التي رسمت وصاغت مسارات العلاقات العراقية ـــ الايرانية بمنحاها الايجابي منذ عام 2003.
لا يعني ذلك أنه لا توجد هناك خلافات واختلافات، بعضها يمثل جزءا من تركة مشاكل وعقد الماضي، وتحديدًا في عهد نظام حزب البعث المنحل، من قبيل ترسيم الحدود البرية والبحرية، والديون والتعويضات، والمفقودين، والحصص المائية، وبعضها الآخر يعد جزءًا من تداعيات وتفاعلات الاحداث في عموم المشهد الاقليمي، وملفاته المتداخلة والمتشابكة، ناهيك عن ان البعض منها لا أساس له من الصحة، ولا يتعدى كونه جزءًا من "البروباغاندا" الغربية المعادية، التي تسعى دوما الى ابقاء شعوب وحكومات المنطقة تعيش في دوامة الصراعات والحروب والفتن والنزاعات العبثية.
ولعل المسألة المهمة أيضًا، هي أن زيارة رئيس الوزراء العراقي لايران جاءت متزامنة مع الكثير من الجدل والسجال حول القصف الايراني المتواصل على مدى عدة أسابيع لمقرات ومواقع الجماعات الارهابية المسلحة في اقليم كردستان بشمال العراق، أكدت طهران أنها متورطة في أعمال العنف والشغب التي شهدها عدد من المدن الايرانية خلال الشهرين الماضيين، وبدعم واسناد وتمويل مالي واعلامي ومخابراتي من أطراف دولية واقليمية متعددة.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن هذا الملف بكل تجاذباته واسقاطاته لا يتعدى كونه جزءًا من مشهد عام مرتبك ومضطرب صنعته وأوجدته ظروف وعوامل مختلفة تراكمت على مدى أربعة عقود أو أكثر، من قبيل انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في عام 1979، ومن ثم الحرب المفروضة عليها من قبل نظام صدام بدفع وتشجيع من قوى دولية واقليمية، وبعد ذلك حرب الخليج الثانية في عام 1991 وخروج اقليم كردستان العراق بمحافظاته الثلاث من قبضة السلطة المركزية وفوق ترتيبات اميركية ــ بريطانية بغطاء أممي، وفيما بعد، احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الاميركية عام 2003، وادخاله في اتون أزمات ومشاكل لا بداية ولا نهاية لها.
وكوجود حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK) في الاقليم، توجد العديد من الجماعات الارهابية المسلحة، حيث أكد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان أن هناك 67 بؤرة ارهابية تعمل ضد ايران من اراضي كردستان العراق، وهذه الجماعات استغلت غياب السلطة المركزية، وضعف وانشغال الاحزاب والقوى الكردية بصراعاتها الداخلية، لتعزز وتكرس وجودها العسكري والسياسي والامني في الاقليم، وأكثر من ذلك اتخاذه منطلقًا لتنفيذ عمليات مسلحة في داخل الاراضي التركية والايرانية، وطبيعي أن ذلك يدفع سلطات أنقرة وطهران إلى الرد، تحت ذريعة حماية أمنها القومي.
ويبدو أن هناك توجهًا أكثر جدية للتعاطي مع هذا الملف من قبل حكومة السوداني، وبالتنسيق مع الحكومة المحلية لاقليم كردستان، وبترتيبات عملية مع الجانب الايراني لمعالجة الأمر، عبر نشر قطعات من الجيش العراقي مع تعزيز قوات حماية الحدود ضمن الحدود الادارية للاقليم، واجراءات عملية أخرى لتحجيم وتحديد هذه الجماعات على الاراضي العراقية، إن لم يكن ممكنا انهاء وجودها بالكامل. وقد يختلف الامر مع الوجود التركي بشقيه المتمثلين بحزب العمل وبالجيش التركي، ارتباطًا بالعدد الكبير والمساحات الواسعة التي يتمركز وينتشر فيها، ناهيك عن قلة فرص التفاهم والتنسيق، في الوقت الذي يؤكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ان بلاده لا تحتاج الى أن تستأذن أو تخبر أحدًا حينما تريد ان تقوم بعمليات عسكرية ضد الجماعات المسلحة في سوريا والعراق.
لا شك أن زيارة السوداني لطهران، اذا لم تفض الى اغلاق ملف الجماعات الايرانية في العراق والقصف، يمكن أن تضع أسسًا ومنطلقات للحل، ورفع مستوى التعاون والتنسيق بما يحول دون الانسياق وراء التصعيد والتأزيم، وبما يكفل المحافظة على مسيرة العلاقات الصائبة بين بغداد وطهران.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha