د. إسماعيل النجار ||
هُوَ الذكاء السعودي والتكتيك الذي عودتنا عليه عائلة عبدالعزيز المالكة منذ قيام حُكمَهُم لغاية اليوم، غالباً ما كانَ خيالهم يسبقُ واقعهم وتوقعاتهم كما تسبقُ أرجلهم عيونهم في رؤية الأمور،
إن الله عَزَّ وَجَل عندما خلقَ جَدَّهم الأول كان له سبحانه وتعالىَ حِكمَة في خلقهم، أعناقهم قصيرة وألسنتهم طويلة وعقولهم صغيرة وأموالهم خفيفة وسيوفهم طويلة وقلوبهم صخرية على المسلمين ورُكَبهُم بُلا أعصاب أمام الصهاينةفهُم اللذين تميزوا بالقصور الفكري والعِلمي وسُرعَة النطق بِلا تفكير والحُكم على الأشياء بلا تمييز لدرجة أنهم لا يُميزون الناقة من البعير،
فبعد إستعباد واستزلام لأكثر من تسعون عام جاء اليوم فيلسوف عائلَة آل سعود وسفَّاحها ولي العهد مُحَمَّد بن سلمان ليتحدَىَ أسياده الأميركيين الذين حدثوا أبائه وأجداده بلغة الإشارة لعقودٍ طويلة،
وذلك بعدما شعرَ الرجل بعدم الرضا الأميركي الأوروبي القبول بهِ ملكاً على العرش خلفاً لوالدهِ المتهالك والذي يعيش أواخر أيامه، إنتابه قلقٌ شديد واتخذَ موقفاً حازماً من الإدارة الأميركية أشعرها بالحَرَج والخوف من هروبه بإتجاه الشرق، حيث سارعت إدارة بايدن بالإتصال به ومسايرته وارسلت كبار مسؤوليها الى الرياض لإجراء مباحثات وترطيب الأجواء ريثما تُسدد له واشنطن ضربتها القاضية،
بن سلمان الذي تَوَرطَ في حرب اليمن وفي الإرهاب في سوريا وليبيا وقتل الصحافي جمال خاشقجي، وأصبحت خزينة مملكته شبه خاوية لولا أن أسعار النفط قد أنقذته من إفلاس مُحكَم نتيجة هدر الأموال ميمَنَةً وميسرَة على الحروب وزرع الفِتَن والقلاقل في البلدان العربية والإسلامية خدمةً لأمريكا وإسرائيل،
وقبل شهر من زيارة بايدن إلى المنطقة لحضور إجتماع قمة دول مجلس التعاون الخليجي وزيارة إسرائيل، خرجَ بن سلمان في جولة خارجية خليجية عربية تضمنت زيارة لتركيا في محاولة منه لكسر الطوق من حول عنقه الذي وضع نفسه فيه بنفسه نتيجة عنجهيته ومكابرته بغباءٍ سياسيٍ غير مسبوق،
فهو الذي جاء بالتركي إلى حدوده مع قطر نتيجة إستقوائهِ وحصاره للجزيرة الصغيرة الماكرة، وهوَ الذي أحرقَ كامل اوراقه في سوريا ودفع الأموال لتدميرها وزرع الموت والدمار فيها ليقطفها اردوغان عزاً وازدهار في بلاده على حساب دماء وحياة السوريين الأبرياء وطرده خارجها،
بن سلمان كان قد استقبل اردوغان في الرياض منذ أشهر واليوم زار أنقرة للتأكيد على نقاوة العلاقة بين البلدين في نفس الأسبوع الذي كانت تجري فيه محاكمة السعوديين المتهمين بقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، محاولاً كسب ود الثعلب التركي استباقاً لأي تطورات سلبية مع واشنطن،
وقَّع بن سلمان إتفاقيات استثمار مع انقرة ب ثمانية مليارات دولار،
وكانت زيارته لمصر شبيهة بزيارة أنقرة لترطيب الأجواء ورشوة السيسي ليكون أحد مسانديه فيما يتوقع من بايدن الحاقد عليه خطراً كبيراً قد يطيح به؟،
أما الأردن لم تَنَل من خير بن سلمان الذي زارها سِوَىَ الإنتقاد والإتهام بالفساد والمطالبه بالإصلاح على الطريقة الأميركية،
إذاً الزيارة لم تُغيِّر بواقع بن سلمان شيء فالذين لجئَ إليهم ولي العهد السعودي هم موظفون لدى أميركا وبريطانيا وتحديداً السيسي وعبدالله الثاني، أما أردوغان سيجعل من مقتل خاشقجي باباً من أبواب الإسترزاق، وسوف يستفيد من الإستثمارات السعودية إلى حين ينتهي قطافها وينقلب على عقبيه،
حبذا لو وعَىَ بن سلمان أن طوق نجاته الحقيقي في طهران الدولة الصادقة المحترمة لكنه أجبن من أن يزورها ويتفاهم مع قيادتها،
بكل الأحوال لا أوكسجين أكثر من الذي يتنشقه هذه الأيام وليسَ أمامه إلَّا الحذر من أمريكا التي ستتخلص منه كما تخلصت من عمه فيصل وغيره كثيرين، وهو يدرك ذلك ويعُد أيامه ولا خلاص له إلَّا بإستغلال الحرب بين روسيا وأميركا في أوكرانيا وأن يذهب شرقاً بإمتياز لأن مصيره محتوم ولا مفر له منه ويبقى ما نصحناه بهِ هو الأمل الوحيد المتبقي لكي يبقى على قيد الحياة.
بيروت في...
27/6/2022