د.محمد العبادي ||
قبل حوالي (١٤) يوماً ،وفي منتصف النهار كانت مدينة عبادان على موعد مع القدر المحتوم حيث إنهدت العمارة المسماة (متروپل آبادان) والتي تقع في شارع أمير كبير (أميري)وسط المدينة .
كانت( العمارة ) حديثة البناء ويكتحل النظر بجمالها ؛ وكان صرحها المشيد مؤلف من عشرة طوابق ، ورغم حسنها المتحايل وحداثة عمرها، لكنها خرّت بلامقدمات كإنشقاق البناء أو تصدعه ، وعلت المكان غبرة شبيهة إلى حد ما بالغبرة التي أتت على برجي التجارة العالمية ، وتكدست أكوام الركام في الطريق السابل ، وأصبحت تلك العمارة كأن لم تغن بالأمس.
مثل هذه الحادثة المشئومة قد حصلت في بلدان كثيرة، وإيران مثل باقي الدول قد نزل بساحتها مانزل بآخرين. إيران استنفرت فرقها المختصة كالهلال الأحمر والفرق الطبية والإسعافات والدفاع المدني والبلدية وغيرهم ، وعملت تلك الفرق المختلفة بتنسيق وصبر وعلى مدار الساعة في سبيل انتشال جثث الضحايا واسعاف المصابين وانقاذ الناجين .
اسفر المشهد التراجيدي عن ( ٣٨) من الأموات ،وضعفهم من الجرحى وقد كانت إصابات أغلبهم طفيفة .
البناء رغم حسنه وتقاصر أقرانه من الأبنية عنه، لكنه كان فاقداً للمواصفات والمعايير الفنية ، ويبدو أن لحب المال والمحسوبيات واللامبالات دخل في ذلك ؛ ولذا فقد صدرت احكاماً فورية بتوقيف (١٠) أفراد ممن لهم صلة بالموضوع بما فيهم ثلاثة من رؤساء بلدية مدينة عبادان السابقين والفعلي، وتم حجز أموال مالك العمارة الأصلي .
تسابق المسؤولون في محافظة خوزستان لتقديم المعونات والإجراءات اللازمة ، ثم جاء وزير الداخلية ليقيم في مدينة عبادان أربعة أيام متتالية، وليشرف على عمليات إزالة الأنقاض،وانتشال جثث الضحايا، وإنقاذ المصابين والجرحي منهم.
ثم جاء نائب رئيس الجمهورية ليطلع عن حس مباشر على العمل الإجرائي في المدينة ،وقد عقد عدداً من الاجتماعات بهذا الخصوص، ثم ذهب بعد ذلك إلى عوائل الضحايا لتقديم واجب العزاء وتطييب خواطرهم ، وبعدها طوى رئيس الجمهورية الأرض بالطائرة ليأتي بعد إنتهاء زيارته من تبريز التي تقع أقصى الشمال الغربي ليزور مكان الحادث ،ثم ذهب إلى عوائل ضحايا الحادث وقدم لهم أسفه وعزائه، ووعدهم بمحاسبة كل من له يد في الحادث المؤسف ، وقد أستمع السيد رئيسي إلى ما يدور
في خلد الناس هناك من قضايا وهموم .
إنّ هذه الخطوات الإدارية والاجرائية تعتبر نقاط قوة، وقد أشار قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي إلى ذلك في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني (ره).
من الملاحظات ان أهالي عبادان قاموا بخدمات جهادية ثورية حيث نقلت لنا الكاميرا ان الناس هرعوا إلى مكان الحادث للمساعدة تحت درجات حرارة ورطوبة عالية ، وساهموا في تهيئة مايلزم من الأكل والمواد الغذائية والمياه المعدنية وتوزبعها على أولئك الذين يعملون على إزالة الأنقاض ومخلفاتها .وقد اختصروا مشهد الاربعين الحسيني وهيئات ومواكب الخدمة في تلك الصورة المصغرة التي يقول لسان حالها ان خدمة الناس ومساعدتهم وقضاء حاجاتهم لا تنحصر في أيام الأربعين فقط ؛ بل هي ظاهرة مستمرة وسلوك دائم .