د. إسماعيل النجار ||
لا شَك أن فارقَ العديد السكاني بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من جهة أخرىَ، كبير جداً، حيث إنّ عدد سكان روسيا يبلغ مئَةً وثلاثين مليون نسمة، في مقابل مليار نسمة موزعين بين دوَل أوروبا وأميركا.
ورغم أنّ الولايات المتحدة تُعتَبَرُ القوةَ العُظمَى الوحيدةَ في العالم،ورغم أنّ الفارق كبير بينها وبين روسيا بميزانيات الدفاع والتسليح، و كبير جداً، فإنّ ما تمتلكه أمريكا من مدمرات وغواصات وطائرات ودبابات وأسلحة مختلفة، ناهيكَ عن قوة أوروبا العظيمة، كلّ ذلك لم يكن كافياً لفرض الهيمنة الغربية على العالم بالمطلق، لأن أكثر من 7000 رأس نووي فتَّاكٍ ،تمتلكها روسيا، جعلتها دولة متقدمَة، تتربع على رأس دوَل العالم كافّة، من حيث القوة، وصاحبة هيبَة ومهابة وصوت مسموع.
أمريكا وحلفاؤها يدركون خطر القوة النووية الروسية، التي يعتبرها القيصر بوتين عصاه الغليظة بوجه أعدائه،
الذين يتهيبون استفزازه، لأجلها، ولإيمانهم المُطلَق بقدرته، وشجاعته على اتخاذ القرار بِاستخدام هذا السلاح، وبِلا تَرَدُد.
من هنا كانت الحسابات الأمريكية الأَوروبية دقيقة، وكان تشريح الأحداث في أوكرانيا على طاولتهم بمساحة أرض روسيا البالغة سبعة عشر مليون كلم مربع، وليست على مقياس عقال أمراءالخليج أومساحة شماغهم.
روسيا القيصر تصرفت في الحرب الأوكرانية بحنكة وذكاء، وكانت حساباتها أدَقَ من حسابات بايدن في بدايات الأزمة،
لذلك كان الروس متيقنين من عدم تجروء واشنطن وأوروبا على المغامرة بتوريط أنفسهم في حرب ضدهم، كرمىَ لعيون المهرج زيلينسكي، وحتى خلال الحرب الدائرة منذ أكثر من عشرة أيام، أبدَت موسكو حرصها على تأمين السكان المدنيين الأوكران،والمفاعلات النووية في البلاد، وحماية مؤسسات الدولة الأوكرانية، وكانَ جُل تركيزها يقع على المراكز العسكرية والمطارات وغُرَف العمليات العسكرية المُحصنَة، وتنفيذ خطة الِاستيلاء على الموانئ، وإقفال كل المنافذ البحرية، والسيطرة على السماء، للِانتقال إلى المرحلة الثانية، ما بعد كل ذلك، وهي إسقاط كييڤ وإعلان استسلام الدولة.
الغرب المتوحش، الذي يتباهى بقوة جيش الناتو وإقتصاد دولهِ الكبير، في مقابل روسيا، يستخدم الضَخَّ الإعلاميَّ الواسع،من أجل شيطنَة روسيا ورئيسها، علماً أنهم يدركون أنّ الرجل لا يريد من أوكرانيا أكثر من حِيادها، وعليها الأمان، فهو يرفض إقتراب الناتو من أراضيه،كما رفضت أمريكا نصب صواريخ سوفياتية في كوبا.
التعامل بالمثل هو عدل وإنصاف طبّقهُ القيصر، وفرضه بالقوة الجبرية،فأحرجَ كافة قادة العالم"البهورجية"، وكشفَ زيفهم،وعرَّاهم أمام شعوبهم وشعوب العالم بأسره، حيث تركوا زيلنسكي وحيداً،في أحلك ظروفه،واكتفوا بالصلاة والدعاء لأجله،عن قريب وعن بُعد آلاف الأميال.
كل هذا ليس مَكرُمَة منهم لروسيا، ولا ضعفاً أو فقراً لامتلاك القوة والجيوش، لكنّ الرّادع المخيف الذي تمتلكه روسيا، من الشياطين النووية التي يمسك بِزِرِّ اِنطلاقها قيصرٌ شجاعٌ، جعلهم يعيدون حساباتهم ألفَ ألفِ مرةٍ،قبل التمادي في التحدي، وتوسيع دائرة الِاشتباك.
في الخاتمة، أثبتَ النزاع الروسي الأوكراني أن كثرة أعداد الجيوش ليست ضمانةً، ولا امتِلاكُ الطائرات والمدمرات يُعتبرُ قوة رادعة بوجه السلاح النووي.
لذلك، فإنّ أمريكا والغرب وإسرائيل يحاولون، ويجهدون لمنع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إمتلاك هكذا نوع من السلاح،لكي تبقىَ دولةً بِلا أظافرَ ولا أنيابٍ يهددها العالم النووي، ومنه إسرائيل.
في مثل هذا العالم،علينا أن نُعيدالنظر بما يحمينا، ويُفيد.
بيروت في...
6/3/2022