د.محمد العبادي ||
تعتبر الإنتخابات هي أحد مظاهر الديمقراطية عندما يتنوع فيها الخطاب والبرامج ، وعندما تحظى بتأييد غالبية الشعب .
يقول قائد الثورة الاسلامية السيد الخامنئي أن التصويت هو في يوم واحد ، لكن تأثير هذا التصويت يستمر لسنوات .
نعم على المرء أن يحسن الاختيار حتى لا يدفع بسوء اختياره ثمن ذلك من راحته ومعيشته واستقلال بلده .
لقد رفعت دولة الرئيس روحاني شعار ( دولة الأمل والتدبير) لكننا وبعد مضي ثمان سنوات ربما شاهد الناس غير ذلك .
في ايران كما في النظم الديمقراطية في العالم تأهل سبعة مرشحين للرئاسة يمثلون التيار الأصولي والاصلاحي .
التيار الإصلاحي وليس (المعتدل) كما هو شائع هو الحاكم الفعلي في ايران منذ (٨) أعوام ، وقد ترك إرثاً ثقيلاً من المشاكل الداخلية منها الاقتصادية والمالية والإدارية والأمنية والاجتماعية، وقد ساعد على ظهور تلك المشاكل الضغط الخارجي الغربي المتمثل بأمريكا وحلفائها .
لاشك أن المؤسسات الأمنية والسياسية الغربية والحليفة لها تراقب عن كثب ما يطرحه المرشحين ، وتتعرف من خلالهم بشكل تفصيلي على نوع المشاكل والأزمات التي خلقوها بحصارهم وسياساتهم على ايران .
يوم أمس السبت الموافق ٢٠٢١/٦/٥ م جرت مناظرة بين المرشحين السبعة لرئاسة الجمهورية في إيران، وقد استمرت (١٨٠) دقيقة ، وقد تابعتها حتى النهاية .
من حيث الشكل فإن الاضاءة وديكور المكان المخصص للمناظرة بين المرشحين يضاهي الديكور في دول أمريكا الجنوبية ويحاكي الديكور في الدول الغربية ، وكانت الأسئلة المطروحة التي طرحها مجري البرنامج تطرح بقيد القرعة وقد أعدها أكاديميون متخصصون في الشؤون المالية والاقتصادية والبيئية والإدارية، ولم تكن تلك الأسئلة من بنات أفكار الإذاعة والتلفزيون الايراني ، وكانت الاجابات محسوبة بالدقائق والثواني بحيث ينقطع صوت المايكرفون بشكل تلقائي ما ان تنتهي الدقائق المخصصة للاجابة .
أما المناظرة من حيث المضمون ، فقد تركزت هذه المناظرة على الأوضاع الداخلية الاقتصادية والمالية وعلى الإنتاج الوطني ، وكانت إجابات الأصوليين أكثر تحديداً وطغت عليها الجنبة العملية ، ففي البداية كان محسن رضائي قد رفع عملة (١٠٠٠) تومان الايرانية وقال انا منذ حوالي عشرين عاماً احذر من فقدان العملة الايرانية لقوتها الشرائية، وحذرت من السياسات المالية المتبعة في البلاد والتي تساير العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وسنصل إلى أسوأ من ذلك في حال استمرت هذه الحكومة والتي يمثلها اليوم رئيس البنك المركزي السيد همتي .
وانتقد محسن رضائي ادارة الرئيس الحالي روحاني بشدة لانها بنظره أسوأ إدارة خلال أكثر من أربعين عاماً .
لقد كان السيد محسن رضائي يملك تجربة كافية في المنافسة مع المرشحين وهو يعرف الكلمات المفتاحية التي تداعب مشاعر وأفكار الناس حيث وعد أن يعطي كل فرد ايراني (٤٥٠) ألف تومان شهرياً بدلاً عن (٤٥) ألف تومان التي تعطيها الحكومة الحالية ، ووعد بمشاركة الشباب والمرأة في حكومته ، وإعطاء الأقليات حقها وغيره .
أما سعيد جليلي فهو يبدو في هذه الانتخابات أكثر دقة وأكثر تحديداً لبرامجه الانتخابية حيث بدا أنه يملك برامج واضحة مثل حديثه عن رفع الموانع عن الإنتاج الوطني وزياراته لعشرات الشركات الصناعية واطلاعه بشكل مباشر على مشاكلها ، وهو يقول ان الدولة اليوم هي التي تمنع الانتاج الوطني فهي لاتخصص دعم مالي ولا تشجع المنتج الوطني وفتحت الباب أمام استيراد السلع الاجنبية والتي نحن ننتج مثلها داخل بلدنا ، كما أن هذه الحكومة الفعلية ساعدت بسياساتها على تشديد الحصار ، وتضاعف سعر الدولار امام سعر العملة الوطنية .
و أيضاً طرح برامجه حول توفير السكن ، واصلاح برنامج ( الاسكان مهر) ، وتوفير فرص العمل وتقديم تسهيلات مصرفية للمواطنين وغيره .
أما السيد ابراهيم رئيسي والذي يعتبر منافساً جدياً ، وعلى الرغم من تمنياتي ان يصبح رئيسأ للجمهورية الإسلامية لكونه يمتلك تجربة كافية في القيادة والإدارة ، لكنه يوم أمس كانت اجاباته عن السؤال الأول لا تتمييز عن باقي المرشحين بميزات كبيرة ، ولعل ذلك راجع إلى عدم تخصصه الاقتصادي ؛ فقد سُئل : ماهي موانع الانتاج وماهي اولوياته للتغلب على تلك الموانع ؟
وقد أجاب عنها بكل هدوء إجابة عامة ومقتضبة في ان موانع الإنتاج من المسائل المهمة التي يواجهها المنتجون ، ويجب أن نعمل شيئاً لجعل المنتجين حاضرين من خلال تفكيرهم ومشاركتهم وأن نوجد لهم جاذبية لمنتجاتهم وجاذبية للأمور الاقتصادية .
أما في جوابه للسؤال الثاني حول كيفية التعامل مع موضوع الاستحواذ على أراضي وأملاك الدولة ؛ فقد اجاب السيد رئيسي إجابة تخصصية حيث قال أن هذه المشكلة من مشاكل البلاد الخطيرة وأصبحت أداة بيد المنتفعين ، وأن هذه المشكلة بحاجة إلى إصلاح تتخذه الحكومة .
لقد قمنا بإنشاء مجلساً لحفظ حقوق بيت المال ويمنع من الاستيلاء على الأراضي.
علينا أن نقوم بتحويل الوثائق والأسناد العادية إلى وثائق رسمية وقد طرحنا هذا الموضوع وتابعناه في البرلمان وهو يطوي مراحله الإدارية. ان مسألة السجل العقاري مهمة ودولتنا متخلفة بهذا الموضوع وان شاء سيتم الإنتهاء من المسح نهاية هذا العام .
ان السيد رئيسي يعتقد أن المشاكل في إيران ناتجة عن ضعف الإدارة، وأنه يؤمن بطاقات وقدرات ايران وهو مؤمن بمقولة ( نحن نستطيع أو ما ميتوانيم).
أما عبدالناصر همتي ( الاصلاحي) فهو منافس قوي في السباق الرئاسي ، وتدعمه كثير من التيارات الإصلاحية، وتعمل على تلميعه الامبراطوريات الاعلامية الغربية ؛ فقد وجه له سؤال حول ( كيفية إعادة الاموال التي بأيدي المدينين الكبار إلى البنوك )؟ ، لكنه ترك الاجابة عن السؤال وأخذ يقرأ الأوراق التي امامه ، وحمل على جميع المرشحين الأصوليين ، وقام بخدشهم جميعا من دون استثناء حتى أنه وجه لكمة إلى مجلس صيانة الدستور في أكثر من مرة وذهب إلى المرشحين وقلل من برامجهم غير العملية في إدارة الأمور الاقتصادية ، وشكك في تخصصاتهم وحاول أن يستميل القومية الآذرية( الاتراك ) وتحدث إليهم باللغة الآذرية يدعوهم إلى التعاضد والتآزر معه ضد منافسيه .
على كل حال فإن باقي المرشحين طرحوا ايضاً برامجهم ، وعجبني في جميع المرشحين اشتراكهم في تشخيصهم الدقيق للمشاكل في بلادهم ، لكن برامجهم اختلفت من مرشح لآخر .
إن هذه المناظرة أعطت صورة عن هوية المرشحين وتفصيلات عن برامجهم الاقتصادية وزادت من رغبة الناس في المشاركة لانتخاب الأصلح من بين المرشحين .
https://telegram.me/buratha