يشهد الحضور السعودي في شمال سوريا وشرقها ضموراً ملحوظاً منذ نحو عام، بعد فشل الرياض في استعادة دور أساسي في الملفّ السوري. فشلٌ أدّى، إلى جانب عوامل أخرى، إلى تخفيض السعودية تدريجياً دعمها السياسي والعسكري لـ«قسد»، وهو ما يصبّ في مصلحة الحوار الذي بدأته أخيراً مع دمشق
الحسكة | شكّلت هزائم الفصائل المسلّحة المدعومة من السعودية، في كلّ من حلب وحماة وريف دمشق والجنوب، انكساراً واضحاً للدور السعودي في الملفّ السوري، وفشلاً في سياستها التي انتهجتها ضدّ دمشق منذ اندلاع الأزمة في سوريا في عام 2011.
ومع استعادة الجيش السوري نحو ثلثَي مساحة البلاد، وإنهاء وجود الفصائل المسلّحة في كلّ تلك الجغرافيا، بقيت الرياض متمسّكة بالنهج العدائي للحكومة السورية، مع محاولات مستمرّة لإيجاد منافذ للعودة إلى واجهة الملفّ.
وفي السنوات الأخيرة، وجّهت الرياض جزءاً كبيراً من اهتمامها نحو الشرق، وحوّلت دعمها إلى مجموعات محدّدة ضمن «قسد»، بهدف الإمساك بأوراق جديدة، تحفظ لها دورها. ورأت المملكة في «قسد»، استثماراً مربحاً، إذ إن التنظيم الكردي مناوئٌ لتركيا، وغير صديق للحكومة السورية، ويمكن التعاون معه في «الحدّ من توسّع النفوذ الإيراني»، وكذلك يدور في الفلك الأميركي الذي تدور فيه السعودية.
وظهر التوجّه السعودي واضحاً من خلال النشاط الملحوظ للوزير السعودي، ثامر السبهان، وزياراته المتكرّرة إلى كلّ من الرقّة ودير الزور بين عامَي 2017 و2019، حيث قدّم مساعدات مالية إلى المجالس المحلّية المدعومة من «قسد» في المحافظتين. وحاولت السعودية حينها، من خلال زيارات السبهان إلى مناطق ذات غالبية عشائرية، توجيه دعمها نحو الفصائل العربية المقاتلة ضمن جسم «قسد» العسكري، لاستثمارها كقوّات عسكرية توجد في مناطق تشهد حضوراً لحلفاء دمشق، على الحدود مع العراق. ونالت الخطوات السعودية، آنذاك، دعماً واضحاً من واشنطن، من خلال مواظبة مسؤولين أميركيين على حضور لقاءات الوزير السعودي مع العشائر العربية في الرقّة والشعيطات وهجين.
ولعلّ واشنطن أرادت، من خلال دعمها للخطوات السعودية، تشجيعها على تعزيز نشاطها ووجودها في مناطق سيطرة «قسد»، لمساندتها في كسب ودّ العشائر العربية التي تربطها روابط عشائرية مع الرياض. ولذلك، أبدت المملكة جدّية في هذا الدعم، وهو ما برز في استحداثها مكتباً لـ»مجلس سوريا الديموقراطية»، الواجهة السياسية لـ»قسد»، على أراضيها.
وتلا تلك الخطوات استقبالها وفداً من «الإدارة الذاتية» الكردية التابعة لـ»قسد» في الرياض، في ما اعتُبر دعماً معنوياً لـ»الذاتية». وبالتزامن، شهدت القاعدة الأميركية في مدينة الشدادي في محافظة الحسكة حضوراً لنحو 20 جندياً سعودياً، كانوا ضمن قوة عسكرية منسحبة من قاعدة التاجي، جرى الاحتفاظ بهم في المنطقة، من دون ورود أيّ معلومات لاحقة تؤكد أو تنفي بقاءهم في المنطقة.
وعلى رغم ذلك النشاط العسكري والسياسي السعودي، إلا أن الرياض لم تنجح في تحقيق حضور فاعل في المنطقة الشرقية، وهو ما أدّى إلى انخفاض مستوى اهتمامها بالمنطقة تدريجياً. وبالفعل، يُسجّل، منذ منتصف عام 2020، انخفاض ملحوظ للدور السعودي في شمال سوريا وشرقها، مع غياب أي معلومات عن زيارات رسمية سعودية إلى المنطقة، في ظل تأكيدات من المجالس المحلية لعدم وفاء الرياض بوعودها بتقديم الدعم المادي لتلك المجالس في كلّ من الرقة ودير الزور.
كذلك لم تنجح الرياض في تحقيق هدفها الرئيسيّ المتمثّل في إيجاد قوة عسكرية وسياسية من أبناء العشائر العربية، تدعمها في الشمال والشرق السوريَّين. وتبرز، هنا، مخاوف القيادات الكردية من تحوّل ولاء القوات العربية في «قسد» نحو السعودية، وهو ما تعتبره خطراً يهدّد الهيمنة الكردية على قوات «قسد».
كما أن القيادات الكردية لا تريد الانخراط في محاولات السعودية مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، الأمر الذي يمكن استشفافه من سلوك «قسد» وتصريحاتها، وغياب أيّ تصريحات كردية عدائية ضدّ إيران في سوريا. هذه العوامل مجتمعة خفّفت من الاهتمام الكردي بالتقارب مع السعودية، وهو ما قابلته أيضاً التفافة في السياسة السعودية تجاه الملفّ السوري، ما عنى انتهاء نشاط المملكة في المنطقة الشرقية، على الأقلّ من بوّابة «قسد» والأميركيين.
https://telegram.me/buratha