د.محمد العبادي ||
بعد حوالي شهرين من الآن ستجري الانتخابات الرئاسية الثالثة عشر في إيران.
في مستهل العام الجديد خاطب قائد الثورة الاسلامية السيد الخامنئي مختلف التيارات والأجنحة السياسية والشخصيات الثقافية و المستقلة قائلا : ( نتوقع منكم ان تعرفوا حجم المسؤولية الثقيلة التي تريدون ان تتعهدوا بحملها ، إذا كنت ترى انك تستطيع ان تتحمل المسؤولية ، فعندئذ تقدم للمعترك الانتخابي ).
في إيران هناك سلسلة من المراحل الاجرائية في تصفية وغربلة الأسماء ، وهناك جدول زمني لطي صفحة تلك المراحل الإجرائية حيث تبدأ المرحلة الأولى بصدور الأوامر من وزارة الداخلية للمحافظات في إعطائها الإذن في عملية الانتخابات، ثم تعمل المحافظات مباشرة في عملية تشكيل الهيئات التنفيذية فيها لتلقي طلبات الترشيح كل ذلك يجري في ظرف خمسة أيام ، وبعد أن تكتمل القوائم المتقدمة للترشيح تقوم وزارة الداخلية بنقل استمارات المرشحين إلى مجلس صيانة الدستور للنظر في صلاحية المرشحين في ظرف خمسة أيام للبت بصلاحية أو عدم أهلية بعضهم ، وهذه المدة قابلة للتمدبد لخمسة أيام أخر ، وفي المرحلة الاخيرة يجري الاعلان عن الأسماء المرشحة من قبل وزارة الداخلية بعد إجراء عمليات التمحيص في سجل المرشحين.
بعدها يقوم المرشحون بالدعاية الانتخابية لمدة (٢٠) يوما ، يعقبها يوم للصمت الانتخابي أو التوقف عن الدعاية الإعلامية لتجري بعدها عملية التصويت في الانتخابات.
في إيران اعلنت اسماء محدودة جدا بشكل رسمي أنها ستتقدم للترشيح نذكر منهم حسين دهقان وزير الدفاع السابق والمستشار الحالي لقائد الثورة الإسلامية في شؤون الصناعات الدفاعية ، واظن ان العميد دهقان رغم كفائته وقدرته على الإقناع لكن المزاج الشعبي العام ليس في وارد تأييد العسكر حتى ولو ملكوا كل المؤهلات ، وقد جرب الادميرال علي شمخاني ، ومحسن رضائي حظهم فلم يفلحوا في الوصول إلى قلوب الناس .
نعم لو بقي الشهيد قاسم سليماني على قيد الحياة لاكتسح ساحة المنافسة الرئاسية بلامنازع لانه كان قريبا من الناس ويشاركهم في همومهم و( كان كأحدهم ) ،ولم يركن إلى الراحة و..و..الخ.
ايضا أعلن النائب السابق علي مطهري ترشحه ، وكذلك أعلن العميد سعيد محمد قائد مقر خاتم الأنبياء رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية وغيرهم .
اسماء كثيرة يتدولها الإعلام الايراني ، وقد وصلت الأسماء المطروحة لأكثر من خمسين إسما من المرشحين.
ورغم كثرة الأسماء المطروحة للسباق الإنتخابي ، لكني كمتابع للاوضاع استبعد بعض الأسماء مثل الرئيس الاصلاحي الأسبق محمد خاتمي لعدم إنكاره للاحداث ( أحداث الفتنة في سنة ١٣٨٨ ش ) ، ولوقوع اختراقات وأحداث أمنية كثيرة في زمنه منها : التظاهرات الجامعية، ولتعليقه تخصيب اليورانيوم لسنتين من أجل كسب ثقة الدول الغربية ، ولإعطائه المسؤولية لشخصيات ضعيفة الولاء للثورة الإسلامية مثل الوزير مهاجراني والذي فضل العيش بعيدا عن بلده في ترف الديمقراطيات الغربية وغيره .
أيضا استبعد قبول صلاحية ترشيح الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد ، لأنه ردت صلاحيته في الانتخابات الرئاسية السابقة ، وقد صرح الناطق بإسم مجلس صيانة الدستور الدكتور عباس علي كد خدايى : ان الأشخاص الذين ردت صلاحيتهم عليهم أن لا يأملوا بتأييد صلاحيتهم مرة أخرى .
ثم إن الرئيس السابق احمدي نجاد رغم انه شخصية نزيهة ويتمتع بكاريزما وحيوية عالية، إلا انه أخفق في كثير من القضايا الداخلية ومنها خطابه الاستقطابي الحاد ، ومنها اتخاذه قرارات فردية من دون الرجوع إلى المجلس ، وحملاته الاتهامية ضد كل من رئيسي السلطة التشريعية (علي لاريجاني )، والسلطة القضائية( ايت الله صادق أملي لاريجاني) ، كما أن له مشاجرات لفظية مع السيد حداد عادل رئيس مجلس الشورى الاسبق ورئيس الثقافة الوطنية ، ورسائله التي بعثها لرؤساء بعض الدول الغربية والتي ربما تنطوي على تجاوز للاطر القانونية والرسمية إلى غير ذلك من المؤشرات التي قد تحجب عنه صلاحية الترشح للرئاسة مرة أخرى.
أما النائب علي مطهري وهو ابن الشهيد المفكر مرتضى المطهري ، فهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة ، ويشغل منصب مدير مؤسسة ملا صدرا الثقافية [ تقوم بنشر آثار الشهيد مطهري). وفاز في الانتخابات البرلمانية الثامنة والتاسعة والعاشرة حيث أصبح في الدورة العاشرة النائب الثاني لرئيس البرلمان ، لكنه في الانتخابات البرلمانية (١١) رفضت صلاحيته على خلفية مواقف راديكالية متعددة جعلته عرضة لحملات من قبل بعض المتطرفين في شيراز وأماكن أخرى، وايضا مشاجراته في المجلس وله نظرات خاصة تفرد بها وأثارت حفيظة طيف واسع من الناس مثل مسألة لبس الحجاب وغيره ، وهناك مسألة جديرة بالتأمل وهي ان النائب علي مطهري لم يمارس العمل التنفيذي في المسؤوليات الرسمية الكبيرة ، وعليه لا اظن ان من رفضت صلاحيته للتمثيل البرلماني سوف تقبل صلاحيته في الترشيح الرئاسي .
أما العميد سعيد محمد فهو شخصية عسكرية ( الحرس الثوري ) حيث تولى قيادة مقر خاتم الأنبياء في الأعوام الثلاثة الأخيرة وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة تربية مدرس .
وقد اشرت سابقا إلى المزاج الشعبي ونبض الشارع الذي يفضل الشخصية المدنية على الشخصية العسكرية .
كملاحظة شخصية هناك هالة إعلامية كبيرة تدور حول العميد سعيد في تضخيم شخصيته ، ولا اظن ان شخصيته ستحظى بالقبول في الترشح ، لاسيما وأنه أقيل من منصبه في قيادة مقر خاتم الأنبياء لتخلفه حسب ما قاله المعاون السياسي للحرس الثوري، وهو يشغل حاليا منصب مستشار لقائد الحرس الثوري الاسلامي وأعلن الحرس يوم الثلاثاء الماضي أنه لايتبناه كشخصية مرشحة لرئاسة الجمهورية .
أما السيد اسحاق جهانكيري نائب رئيس الجمهورية الحالي فرغم أنه حاصل على الدكتوراه في الإدارة ، وقد تدرج في مراتب المسؤولية من قائمقام إلى محافظ لإصفهان إلى وزير الصناعة في حكومة خاتمي إلى نائب رئيس الجمهورية لدورتين رئاسيتين ،إلا ان ذلك يساعده في قبول صلاحيته للترشح للرئاسة ، لكنه استنزف ارثه في التصدي لمسؤولية رئاسة الجمهورية بسبب الاوضاع الاقتصادية الحالية من تدني سعر العملة في السوق إلى الارتفاع الفاحش في الأسعار وغلاء المبيعات ، والبطالة وغيره ، وسوف تنال من رصيده سيوف المرشحين في مفردات كثيرة، ويخرج من السباق الرئاسي مثخنا بجراح النقد ، واظن انه استنفذ حقه ورصيده من الانتخابات .
هناك بعض الشخصيات التي من الممكن ان تعبر من غربال تأييد الصلاحية وتفوز بالرئاسة مثل الدكتور محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الحالي والمنحدر من المؤسسة الأمنية حيث كان قائدا لأكثر من فرقة في الحرس الثوري ، وشغل منصب قائد الشرطة العام في زمن الرئيس خاتمي ، لكنه ترك العمل في المؤسسات الأمنية منذ حوالي (٢٠) عاما واتجه صوب الوظائف المدنية مثل التدريس الجامعي والوظائف الاستشارية وشغل لمنصب رئيس بلدية طهران قبل حوالي (٥) سنين .
قاليباف يتمتع بشخصية نشطة وذهن اقتصادي متقد وهو شخصية ميدانية ، وله الفضل في تشييد إنفاق المترو في العاصمة طهران ،وقد ساعد ذلك في تخفيف الاختناقات المرورية ، وبناء الجسور ومنها جسر الطبيعة المشهور فيها .
ان أداء السيد قاليباف وهو في رئاسة البرلمان يشير إلى أن له رغبة في الترشح للرئاسة ، حيث قام بزيارات ميدانية للعديد لمن المحافظات ، والتقى بفئات إجتماعية كثيرة واستمع الى مشاكلهم طويلا ، كما أنه أثبت شجاعة وتضحية عندما زار بعض المستشفيات في طهران والاهواز وتفقد احوال المصابين بفيروس كورونا .
ان هذه الزيارات الميدانية ، ونشاطه الملحوظ ربما تنطوي على رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة على الرغم من عدم اعلانه للترشح .
هناك شخصية أخرى من المرجح أنها ستعبر من فلتر مجلس صيانة الدستور وهو الدكتور مسعود بزشكيان حيث أنه تدرج في سلم المسؤوليات الإدارية المتعددة ؛ فقد تم اختياره كوزير للصحة في زمن رئاسة السيد خاتمي بناء على أدائه المييز في مديرية صحة آذربيجان الغربية والتي كان عملها آنذاك ملحوظا عن باقي المحافظات ، ثم انتخب لأكثر من دورة في البرلمان ، واختير كنائب اول في البرلمان للدورة العاشرة كل هذا ربما يشفع له في ان يكون منافسا قويا فيما لو ترشح للمنافسة الانتخابية الرئاسية .
هناك مراهنات على شخصية الدكتور محمد جواد ظريف فيما لو ترشح للرئاسة ، أو تم نفخ الروح في الاتفاق النووي وقطف ثماره الحقيقية؛ فسوف يكون رقما صعبا تتبارى على ترشيحه التيارات الإصلاحية، لان الإعلام سيطبل على أن الاتفاق النووي ونتائجه مرهون ببقاء الدكتور ظريف وفريقه التفاوضي وسيتحدثون عن الاموال التي سيجلبها، ويتحدثون أيضا عن الانفتاح والمرونة والدبلوماسية و..و..الخ .
شخصية أخرى ربما تكون حظوظها في الفوز كبيرة ، وهي شخصية السيد ابراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية حيث أثبت جدارة في مختلف المسؤوليات التي كان قد شغلها وآخرها رئاسة السلطة القضائية ؛ ففي فترة تصديه الحالي ؛ قام بتجديد كثير من الكوادر القضائية والإدارية، وعمل على محاربة الفساد في السلطة القضائية حتى أنه قام بفصل ومحاسبة أكثر من( ٢٥) قاضيا ، وأعاد الكثير من الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين، واظهر حزما وشجاعة وصلابة في الوقوف بوجه كثير من المخالفات القانونية والإدارية، مضافا إلى قيامه بزيارات ميدانية مباشرة ومن دون علم مسبق إلى كثير من الهيئات والمؤسسات والإدارات التابعة للسلطة القضائية حتى أنه ومع إنتشار جائحة كورونا قام بزيارات ميدانية إلى السجون والاستماع لحاجات السجناء وشكاويهم .
اظن لو عمل السيد رئيسي في المنافسة الرئاسية فسيكون له سهم وافر من الأصوات ، لكن بعض المحللين السياسيين الايرانيين مثل ( ناصر ايماني ) يقول : في الواقع أن السيد رئيسي ليس له رغبة في خوض السباق الانتخابي على رئاسة الجمهورية ، لأنه لو دخل حلبة المنافسة الانتخابية فسوف يتوقف برنامجه الذي وضعه في إصلاح وتطوير القوة القضائية .
هناك شخصيات أخرى كثيرة ، ربما تدخل ساحة المنافسة مثل الدكتور مير سليمي والمهندس غرضي وسعيد جليلي واضرابهم ، لكن اظن ان اكثرهم قد جربوا حظهم من الفوز بثقة الناس.
على كل حال فإن الانتخابات القادمة قد تميل فيها كفة الميزان لصالح التيار الأصولي بشكل كاسح ،لاسيما وانهم فازوا بالانتخابات البرلمانية ، وقد استفادوا من المائدة الدسمة التي فرشها التيار الإصلاحي بسقطاته في فخ الوعود الغربية الوهمية على خلفية الاتفاق النووي مضافا إلى الاختراقات الأمنية والمشاكل الاقتصادية والتي زادت وتيرتها في السنين الأخيرة .
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha